ثقافة

صدى رجالات أسفي في التاريخ – الحلقة 110

إعداد : الدكتور منير البصكري الفيلالي / أسفي

الأستاذ مبارك متوكل :

هو واحد من ذلكم الجيل العملاق من رجال التعليم ببلادنا ، انصرف بكل همة وشموخ إلى مجال التربية والتعليم ، هدفه تكوين جيل يؤمن بنهضة علمية أدبية ثقافية صادقة تحدوه الرغبة في رعايتهم وتشجيعهم وتوظيف مواهبهم وقدراتهم .
ولد السيد امبارك متوكل ونشأ بقرية صغيرة بمنطقة قريبة من شاطئ ( للافاطنة) ، الحقه أبوه بالكتاب لحفظ القرآن الكريم حيث أراد له أن يكون حافظا لكتاب الله وعالما فقيها .

وفي سنوات 1947 ـ 48 ـ 49 ، كان الاستعمار الفرنسي في حاجة إلى كتاب ومترجمين وموظفين .. ففرض على كل أسرة أن تلحق واحدا من أبنائها بالمدرسة ، فكان ذلك من حظه ، حيث تم تسجيله في مدرسة تبعد عن بيت أسرته ببعض الكيلوميترات التي كان يقطعها وهو في الثامنة من عمره بغية التحصيل العلمي . ظهر نبوغه مبكرا ، فتم إرساله إلى المدينة ليقيم مع أخته التي كانت تسكن بحي مولاي الحسن ، وهناك تابع دراسته بمؤسستي : مولاي يوسف وبياضة .
مع بداية الاستقلال بقليل ، انخرط في جمعية الكشفية الحسنية عام 1956، وكانت آنذاك تابعة للشبيبة الاستقلالية ، وكان من قادتها الشباب ، محمد مناع ومحمد فكاري وعبد الرحمن الشقوري وعبد الكريم الشرادي ( توفي إثر زلزال أكادير سنة   ) .. وكانت الشبيبة الاستقلالية تنظم دروسا ولقاءات لإفادة شباب المدينة . وفي تلك الفترة ، أنشئت جمعية الطالب وكان مقرها في ساحة الاستقلال مقابل بنك المغرب ، وقد انخرط إلى جانب السي امبارك متوكل الكثير من شباب أسفي نذكر منهم السي أحمد كراوي ( البديع ) والسي عبد الله الهسكوري والسي عبد الرحمن التهامي ومحمد كراوي وأحمد الفارحي وغيرهم..والهدف هو تكريس الاهتمام بالجوانب الثقافية لا غير . كما تم تعرفه إلى بعض الشخصيات المؤثرة في تلك الفترة وفي طليعتهم مولاي الطاهر الإدريسي الحسني .
إلى جانب ما سبق ، نذكر ايضا انخراطه في دار الشباب ” علال بن عبد الله ” أهم المنابر الثقافية والجمعوية والتي لعبت دورا أساسيا في مجال التنشيط التربوي والثقافي والفكري والرياضي والوطني ، ولعل هدمها وطمس معالمها كان خسارة فادحة بالنسبة لمدينة أسفي. ففي هذا الفضاء تعرف السي امبارك متوكل على كتب المنفلوطي وفولتير والجاحظ والمتنبي ، كما كتب وغيره أولى المحاولات الأدبية ومارسوا المسرح واطلعوا على الحركة السينمائية العالمية ..
ونحن نتحدث عن هذا الرجل ، نذكر بأنه مناضل وطني غيور على وطنه ، يحمل قلبا صخريا صلبا صلدا ، لا يخاف من المعاول الهدامة . فكان أن تعرض للاعتقال السياسي سنة 1973 بأسفي ، كما تعرض للطرد من الوظيفة العمومية في إضراب 1961 الذي نظمته نقابة الاتحاد المغربي للشغل. وفيما بعد ، تم تعيينه كأستاذ في مدينة الجديدة ،وهناك ارتبط بمناضلي الاتحاد الوطني للقوات الشعبية ، واستمر هذا الارتباط بعد انتقاله إلى مراكش . وحين انتقل إلى أسفي، كانت له علاقة مع بعض المناضلين نذكر من بينهم  السيد امرابتين الذي كان آنذاك مسؤولا عن الكتابة الإقليمية للحزب ، والسي الفلاحي الذي كان كاتبا للسكة الحديدية بفرع أسفي وعضو الاتحاد المحلي للإتحاد المغربي للشغل . نذكر كذلك أنه كان للسي متوكل نشاط نقابي في إطار الجامعة الوطنية للتعليم التابعة للاتحاد المغربي للشغل . أضف إلى أنه تحمل مهمة مسؤولية الكاتب الإقليمي للإتحاد الوطني للقوات الشعبية بأسفي إلى أن اعتقل في مارس 1973 حيث أودع صحبة أزيد من ثلاثين مناضلا من أسفي بمطار أنفا المسمى الكوربيس ، وذلك لما يقرب من إحدى عشرشهرا نقل بعدها إلى سجن أسفي إلى أن تم الإفراج عنه في خريف 1974 بعدما تمت محاكمته وصدر في حقه حكم بسنتين سجنا قضى منها سنة ونصف السنة.
استمر السي متوكل في تحمل مسؤوليته الحزبية داخل جهاز الكتابة الإقليمية للإتحاد الاشتراكي، فاعتقل مرة أخرى بعد إضراب 10 و 11 أبريل 1979 وهوالإضراب الذي دعت إليه الكونفيدرالية الديمقراطية للشغل في قطاعي التعليم و الصحة ، وحوكم بثلاثة أشهر سجنا نافدا . وبعد 8 ماي 1983 سيعتقل مرة أخرى ويحاكم بالمحكمة الابتدائية بالرباط بسنة سجنا قضاها بين سجن لعلو بالرباط و السجن المدني بأسفي . ومن يومها وهو موقوف عن العمل إلى غاية أكتوبر 1988 . و في سنة 1997 بمناسبة الاستفتاء على الدستور آنذاك ، تم اعتقاله من جديد بمدينة أسفي ونقل إلى الجديدة حيث حكمت عليه المحكمة الابتدائية بالجديدة بثلاثة أشهر بعدها برأته محكمة الاستئناف بنفس المدينة بعد أن قضى ثلثي العقوبة.
ومع ذلك ، ظل الرجل وفيا لمواقفه ومبادئه والتي كان يدعو من خلالها إلى مقاومة كل الأفعال المتغولة التي تسعى لتقويض هذا الوطن والرفع من النضال وغرس بذرة الوعي بالأخطار التي تحيط بوطننا . من هنا ، كانت له تلك المحطات المضيئة في تاريخ النضال المغربي . فحياته جهاد مستمر هدفه بث الوعي في النفوس وتحريك الهمم وجعل الناس يدركون ويشعرون بواقعهم .
هذا هو الأستاذ امبارك متوكل ، الذي يستحق منا كل التقدير ، فقد جاهد وناضل من أجل تحسين جودة التعليم وهو الأستاذ المبرز ، وناضل من أجل صيانة تراث الأمة ، كما ناضل من أجل الثقافة ومن أجل الكيان وحفظ الهوية .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

أربعة + 2 =

زر الذهاب إلى الأعلى
MCG24

مجانى
عرض