
الدكتور عباس الجراري ، شخصية موسوعية متعددة العطاءات -الحلقة 7
إعداد : د. منير البصكري الفيلالي
لقد زاد تعلقي بأستاذنا رحمه الله في بداية ثمانينيات القرن الماضي حيث ترجم هذا التعلق باختياري درس الأدب المغربي في السلك الثالث ، وكان عدد الطلبة حينها لا يتجاوز العشرة طالبا .. كنا نتحلق حوله بمقر شعبة اللغة العربية وآدابها كل صباح يوم الجمعة طيلة ثلاث ساعات متواصلة ، يغوص بنا في دروب الأدب المغربي ، يكشف لنا عن تاريخ أعلامه ، ويورد نصوصه ، يحللها ويفكك رموزها ، مما جعلنا نحب هذا الأدب ، فقد وجدنا فيه هويتنا وأصالتنا . وهكذا ، كان لنا الشرف الكبير ونحن نتابع الدراسات العليا على يد أستاذنا بكلية الآداب بالرباط ، فكنا نرى فيه قطبا من الأقطاب الأدبية في مغربنا الحبيب ، ومفخرة من مفاخر هذا الوطن العزيز .. كما كان يترك فينا بعد الانتهاء من الحصة الدراسية انطباعات خالدة في الأخلاق الفاضلة والعمل الدؤوب ، نشعر وكأنه يذيب الفاصل الزمني بين طلبته بدون أن تشعر بذلك . فقد أسس لنا ولغيرنا وعيا قرائيا نادر الوجود .كان عندما يشرح قضية من قضايا وظواهر أدبنا المغربي ، يبدد الغيوم المتراكمة ، يتألق في الشرح والتحليل والمعالجة ، ويرسل الكلمات والجمل لتدوي ، وتتدفق العبارات الرائعة علينا ـ كطلبة ـ كتدفق السيل ، إذ كانت له طريقة خاصة في إلقاء الدرس الأدبي ، أساسها قوة الذكاء والفطنة ، وقوامها دقة الملاحظة ، حيث كانت لديه قدرة فائقة لفهم الظروف التي تحيط بتلم الظواهر والقضايا الأدبية ، مدركا حجم وقعها في النفوس ومؤثراتها على مجموعة الأحاسيس . وهكذا اتسمت شخصية أستاذنا بالتأثير ، وهذه الصفة ـ كما نعلم ـ لا يمتلكها إلا من ارتقت أخلاقهم ، ونبلت سلوكاتهم ، وعلا قدرهم .. وعلى من يريد المزيد من التوضيح والعمق ، فعليه أن يعود إلى قراءة كتاباته القيمة ، فسيجد أن أستاذنا رحمه الله يصنع توجهات فكرية جديدة ، مما يجعله دائما مكان تقدير واحترام الجميع .
عقود من تآليف الجراري تعـالـج كـل فـن باقتـــــــدار
وحنكة عالم رحب المدار يذود عن الثوابت والديـــار
ذياد محنك حامي الزمار أصيل الرأي ، ذي أيد ويأس
تناول كل موضوع مفيد من التاريخ والأدب الحميــد
يتبع …