ثقافة

تجليات السيرة النبوية في الشعر الملحون – الحلقة السابعة عشر

د. منير البصكري الفيلالي / أسفي

  في ذلك الوقت ، أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم من المسجد الحرام إلى المسجد الاقصى ، حيث عرج به إلى السماوات السبع .والإسراء والمعراج ، هي إحدى المعجزات الكبرى التي حصلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، هدفها أن الله تعالى أراد أن يتيح لرسوله الكريم فرصة الاطلاع على المظاهر الكبرى لقدرته سبحانه وتعالى .. حتى يزداد قوة من خلال ما سيريه من عجائب وغرائب حدثت ليلة الإسراء والمعراج . وهذه الآيات التي رآها صلى الله عليه وسلم في رحلته هاته إلى ملكوت السماوات والأرض كثيرة ، نذكر منها : ذهابه صلى الله عليه وسلم إلى بيت المقدس والعروج إلى السماء ورؤية الأنبياء والمرسلين والملائكة والسماوات والجنة والنار ، إضافة إلى نماذج أخرى من النعيم والعذاب .. وهكذا ، ذكر الإسراء في القرآن الكريم في قوله تعالى : ” سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا ، إنه هو السميع البصير . ”
لقد كانت حادثة الإسراء والمعراج قبل هجرته صلى الله عليه وسلم بسنة كاملة . فهذا الحادث ـ كما يقول أحد المفكرين ـ ” لم يكن الإسراء مجرد حادث فردي بسيط ، رأى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم الآيات الكبرى ، وتجلى له ملكوت السماوات والأرض ، مشاهدة عيانا ، بل ـ زيادة على ذلك ـ اشتملت هذه الرحلة النبوية الغيبية على معان دقيقة كثيرة ، وشارات حكيمة بعيدة المدى ..” فقد التقت في شخص الرسول الكريم مكة بالقدس، والبيت الحرام بالمسجد الأقصى ، وصلى عليه الصلاة والسلام بالأنبياء خلفه ، فكان هذا إيذانا بعموم رسالته ،وخلود إمامته وإنسانية تعاليمه وصلاحيتها لاختلاف المكان والزمان، كما أفادت سورة الإسراء تعيين شخصية النبي ” محمد ” صلى الله عليه وسلم ، ووصف إمامته وقيادته وتحديد مكانة الأمة التي بعث فيها وآمنت به ، وبيان رسالتها ودورها التي ستمثله في العالم . فليس غريبا إذن يعبر شعراء الملحون عن شعورهم الديني اتجاه هذا الحادث ، حيث ملأوا قلوبهم وعقولهم بحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأفاضوا في القول ، كاشفين عن خالص تفانيهم وحبهم للرسول الكريم ، مادحين ومصلين ومتوسلين .. فجعلوا من حديثهم عن رحلة الإسراء والمعراج فنا قائم الكيان ، مكتمل الخصائص . ومن ثمة ، أطلقوا على هذه القصائد ” المعراج ” ومن أشهرها على حد قول أستاذنا الدكتور عباس الجراري ، قصيدة الشيخ عبد العزيز المغراوي الشيخ عبد القادر الجراري .
يقول المغراوي في أول معراجه :
بسم العظيم ذا العــرش الديـــــــان             رافع لفلاك أفلهوا دون اعماد
من خص المرسلين بآيات البرهان             وشملهم ابلهدا أو دين الارشاد
فعناصر الإعجاز في هذا الحادث العظيم ، ظاهرة التميز والتفكر الذي ميز الله بها رسوله الكريم . فالله تبارك وتعالى جعل نبيه خيرة خلقه ، واختاره لأكرم رسالة وأعظم دعوة ، فكان اختيارا لرجل مناسب في مكان مناسب ، وأعطاه ما أعطاه الخصائص والمميزات وحصنه بما حصنه به من قوى وطاقات ، ثم طالبه أمام هذا كله بما طالبه به من تبعات ..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إحدى عشر − خمسة =

زر الذهاب إلى الأعلى
MCG24

مجانى
عرض