ثقافة

القصيدة المولدية في الشعر الملحون- الحلقة 12

إعداد : الدكتور منير البصكري الفيـــلالــي / أسفـــي

 

  ليس في وسع اي إنسان مهما طال باعه ، وأيا كانت مقدرته ، أن يبرز الجوانب الحية للرسول صلى الله عليه وسلم ، كما يليق بشأنها .
 
لقد كان مولده صلى الله عليه وسلم حضارة ومولد رسالة سماوية ، وتشريع إلهي يصلح به الكون ، وتستقيم به حياة الناس. وبالتالي ن فإن رسالته ثمرة الرسالات كلها ، وميثاق للحرية والإخاء ، ودستورا للحضارة التقدمية الراقية ، ونظام قويم لتركيز دعائم العدالة الاجتماعية ، وإعلان سماوي خالد لحقوق الإنسان وتحريره من العبودية والذل والهوان . وقد أدرك شاعر الملحون كل هذه الخصائص النبيلة للرسول الكريم ، فانعكس ذلك على نفسيته ، فترجم إحساسه إلى حب صادق كشف من خلاله ما يملأ قلبه وعقله ، مادحا تارة ، ومصليا ومتوسلا تارة أخرى
 
وهكذا ، فإن من أكثر الأنماط الإبداعية في المدحة النبوية ، المولديات ، وهي قصائد ـ على حد ما أشرنا إليه في الحلقات السابقة ، ذات طابع ديني ، تختص بمناسبة الاحتفال بالمولد النبوي الشريف . وقد صار هذا الأمر موسما دينيا كبيرا ، ومناسبة عظيمة ينبغي أن نحتفل بها  تقديرا وتعظيما لأشرف وأسمى خلق الله ، رسولنا المصطفى المختار عليه افضل الصلاة والسلام . ولعل إحصاء ما قيل في المديح النبوي سواء من الشعر الفصيح أو الملحون ، وتداول العديد من المصنفات التي أرخت لهذه الظاهرة الدينية ، يتطلب إنشاء مركز للتوثيق يختص بالمديح النبوي والسماع تتكاثف فيه جهود الباحثين قصد جمع النصوص وتكشيف المصادر ونشر المخطوطات .. وذلك في سبيل إشعاع تراثنا المغربي والمحافظة على هويتنا الحضارية وخدمة عقيدتنا الإسلامية .
وعند تحليل هذه القصائد المولدية ، نلمس عدة جوانب :
 
ـ أن قصائد المولديات في النمطين معا ، المدرسي والشعبي ، هي اشهر قصائد الشعر الديني وأكثرها ذيوعا وشيوعا .
 
ـ أنها قصائد تستمد من السيرة النبوية الطاهرة كثيرا من مجالاتها .
 
ـ أنها قصائد تجمع بين المدحة النبوية والقصيدة المادحة ..
 
ـ أن نمطها الفني يتوفر على مجموعة من الخصائص نذكر منها ، مدح الرسول صلى الله     عليه وسلم والإشادة بمولده ومعجزاته وشمائله وأوصافه .
   
وبذلك ، فهي تشكل ظاهرة إبداعية متميزة شكلا ومضمونا لما فيها من تطور لرؤية فنية اتسمت معالمها بكثير من الدقة والخصوبة ، كما تميزت هذه الجوانب بمعطيات لها قدر كبير من الأهمية ، إذ إنها تمثل استجابة قوية في أدبنا المغربي بشقيه المدرسي والشعبي لطبيعة فكره ولقدرته الإبداعية . وقد أبانت تلك الاستجابة عن رباط عضوي وثيق يلحم بين الإبداع الفني والضمير الديني في انصهار بين الذات الفردية لأدبائنا ، والذات الجماعية لجماهير شعبنا خلال التاريخ ، على حد قول أستاذنا الجليل الدكتور عباس الجراري حفظه الله . وبذلك ، فإن قصائد المولديات ، تستمد مقوماتها من جملة من الأسس مكنتها من إبداع استقطب المعالم الفكرية والأدبية التي طبعت الشخصية المغربية ، ولم يكن المديح النبوي إلا تجسيدا لفكر يرى في شخص الرسول صلى الله عليه وسلم الحب ، وفي دلائله الإيمان وفي شمائله القدوة . فعسى أن يجد أبناؤنا في سيرة خير البشرية القدوة التي تخلصهم من التبعية للغرب والانغماس في ما لا طائل وراءه . ونسأل الله لنا ولهم التوفيق ، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا ومولانا محمد خير البرية ، ونختم هذه الحلقات بالدعاء لأستاذنا الجليل الدكتور عباس الجراري الذي علمنا كيف نحب ونخلص في حديثنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم . فاللهم ارحمه واجعله من المكرمين المُنعمين ، واجعل قبره  نوراً وضياء إلى يوم يبعثون ، وعوضه بـجنة عرضها السموات والأرض.. واجعله يا رب في روضة وبستان في نعيم دائم ودار خلد تحت ظل الرحمن ..وكل عام وقراؤنا الكرام بألف خير .

انتهى .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اثنان × اثنان =

زر الذهاب إلى الأعلى
MCG24

مجانى
عرض