
دعوة أمين السر الدائم إلى تدريس الترجمة في جميع أسلاك التعليم ببلادنا
إعداد : منير البصكري الفيلالي / أسفي
جميل جدا ما دعا إليه الأستاذ الدكتور عبد الجليل لحجمري، أمين السر الدائم لأكاديمية المملكة المغربية “إدخال دروس الترجمة في مختلف أطوار التعليم .. وهو أمر مطلوب ضمن المجهودات العامة لتشجيع فئات المجتمع على القراءة ، مهما كانت المستندات التقنية والتواصلية، وعلى اكتساب قدرات التفكير والمقارنة والحكم .. وهو خيار يستدعي وعيا جماعيا وعملا متواصلا، اختيار يبدو ضروريا للمساهمة في نشر المعرفة النافعة في ثقافتنا ومجتمعنا ..” كلام يدل على ما للترجمة من أهمية متميزة، فهي تقوم بدور حاسم في حياتنا اليومية ، وهي أيضا الوسيط الذي يعطينا القدرة على تحسين وتجويد فهمنا لغير قليل من قضايا التنمية وثقافات الشعوب، كما أنها الجسر الّذي يُصلنا بمصادر العلم والمعرفة، ممّا يُسهم في توسيع دائرة الحوار والخبرات بين الثّقافات، وتعزيز التّعاون الثّقافيّ بين الدّول. من هذا المنطلق، يأتي دور الترجمة في المثاقفة ، أي في التواصل بين مختلف الثقافات والشعوب على مر العصور والأزمان. ومن هنا، جاءت الدعوة الرصينة للسيد أمين السر الدائم لأكاديمية المملكة المغربية، نظرا لهذا الدور وهذه الأهمية التي للترجمة. فهو يرى أنها من ضرورات الحياة الّتي يقتضيها العصر لتعدّد اللّغات البشريّة وتنوّعها وما نشهده اليوم من مستجدّات في شتى المجالات. وبالتالي، فهي نافذتنا إلى العالم الآخر، لما لها من دور مهمّ وضروري في نقل علوم ومعارف وآداب الحضارات المختلفة، وهي مفتاح الأمم نحو النهضة الفكرية والعلمية. ولذلك، لا يمكن الاستغناء عنها في مجال التدريس إذا ما أريد للبحث العلمي أن يقترب فعلا من واقعنا ومجتمعنا المغربي.. فاللغة أداة تواصل بين الناس تعبر عن حاجاتهم وتعكس تقدمهم ورقيهم في شتى مجالات المعرفة، ودور الترجمة يكمن في نقل حضارة كل شعب إلى آخر . والحق أننا في المغرب نعرف تقصيرا ملحوظا في مجال الترجمة، وهذا يعود إلى عدة أسباب منها ، عدم وجود استراتيجية عملية لتدريس الترجمة في مؤسساتنا التعليمية عدا ما نجده مثلا في مدرسة الملك فهد العليا للترجمة بطنجة وكليات الآداب والعلوم الإنسانية، مما يستدعي وضع خارطة طريق جديدة ترسم الخطوط الكبرى لتدريس مادة الترجمة من خلال إنشاء مؤسسة وطنية مغربية تعنى بتدريس الترجمة. فالحاجة ملحة اليوم أكثر من أي وقت مضى لتخريج أفواج من المترجمين الشباب للعمل على ترجمة الكتب في مختلف المجالات أدبية كانت أو علمية بغية مواكبة مختلف المستجدات التي يعرفها العالم اليوم. كذلك، نلاحظ عدم التنسيق حتى بين هذه المؤسسات ذات الاهتمام المشترك ..
لا نبالغ إذا قلنا إن أيام الازدهار العباسي للترجمة التي وجدت من الخليفة العباسي المامون سابع خلفاء بني العباس تشجيعا للمترجمين عندما كان يمنح وزن الكتابة ذهبا ليست أقل شأنا مما تتمتع به الترجمة في ذلك العصر ، لاسيما عند الشعوب الغربية المتطورة التي تعنى بتكوين المترجم وتدريبه على مواجهة النصوص المختلفة. ثم لا ننسى أيضا رفعة الطهطاوي الذي أنشأ مدرسة الترجمة (الألسن) في عام 1835 وأشرف عليها فنيا وإداريا، ودرس بها الأدب والشرائع العربية والغربية ، وأشرف على اختيار الكتب للترجمة، وزاد نشاطه بالترجمة أثناء وجوده بالمدرسة. لذلك، كان لابد من العناية الفائقة لمجال الترجمة وتدريسها في مؤسساتنا حسب دعوة السيد أمين السر الدائم لأكاديمية المملكة وهو الأستاذ الخبير المبرز الذي انكب منذ بداية مساره على النهوض بالتربية والتعليم والتكوين حيث عمل على نشر ثقافة العلم من خلال مختلف الأنشطة داخل اللجان الوطنية للتكوين والتربية وقدم أعمالا جليلة لفائدة التربية والمعرفة الثقافية ببلادنا. من هنا حملت دعوته لتدريس الترجمة قيمتها ووزنها وذلك من منطلق الاعتناء بالتلميذ (الطالب) الذي يعد مركز العملية التربوية، وكسر حاجز الخوف النفسي لديه اتجاه لغة الآخر وثقافته . ويبقى رسم وإبراز الخطوط الديداكتيكية المنظمة والطرق الواضحة التي ينبغي أن يقوم عليها تدريس وتلقي درس الترجمة في مؤسساتنا التعليمية، مما سيعمل على تأهيل هذا التلميذ أو الطالب المترجم خلال مراحل تكوينه، ونعني بهذا التأهيل لثلاثة جوانب أساسية، هي:
ـ القدرة اللسانية والكتابية
ـ التمكن من أدوات الترجمة
ـ التحضير لسوق العمل، فهناك الكثير من الكتب القيمة تحتاج للترجمة وتخص مجالات متعددة كالطب والهندسة والتكنولوجيا وغيرها مما نحن في حاجة ملحة إليه، حتى يكون بمقدورنا مواكبة العصر والاستفادة من علومه ومعارفه، وكذا أيضا من خبرات الباحثين الذين سيقدمون الكثير من الأفكار المهمة التي تغني عملية الترجمة إلى أبعد الحدود.
إن جميع من درسوا علاقة الترجمة بالتنمية، أكدوا أن الترجمة محرض ثقافي وجسر يردم الهوة بين الشعوب، ووسيلة أساسية للتعريف بالعلوم والتكنولوجيا، وعنصر أساسي في التربية والتعليم ومواكبة الحركة الفكرية والثقافية، ووسيلة كذلك لإغناء اللغة وعصرنتها. وهذه كلها، لها أثر في نمو المعارف الإنسانية، وتعزيز للترجمة كضرورة ملحة في نقل العلوم والاستفادة منها في إثراء ذاكرة الأجيال.
ومعلوم أن الترجمة أصبحت أحد المكونات الثقافية في المغرب، سواء أردنا أم كرهنا. فقد صار لها إشعاع خارج المغرب، حيث إن التراجمة المغاربة يحظون بأهمية كبيرة في العالم العربي، وصار يعتد بهم بعد أن كنا نستهلك ترجمات مصرية وشرقية. وحتى يتقوى هذا الإشعاع، لا بد من تقديم المزيد من الرؤى والتوصيات لرسم خطة العمل حول آفاق الترجمة وتدريسها في مؤسساتنا التعليمية على حد ما يراه أستاذنا الجليل الدكتور عبد الجليل لحجمري أمين السر الدائم لأكاديمية المملكة المغربية.