
“من أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا”
محمد التويجر
بعد انقشاع غمامة جائحة كورونا، وتجاوز تبعاتها بسلام، من الأوراش الاستعجالية التي يجب الاشتغال عليها مستقبلا، وتكريسها في معتقد المغربي وعقله الباطن مكرمة التبرع، لتصير مستدامة من حيث الزمن، بدل اقتصارها على المناسبات.
في خضم الجائحة البغيضة، لمسنا انتعاشة ملحوظة في منسوب الحس التضامني لدى شريحة واسعة من المجتمع، جسدتها مسارعتها إلى دعم الأسر المعوزة ، وتحسيسها بدفء التكافل، المرحب به في مثل هذه المواقف…لكن إجراء الحجر الصحي و”فوبيا الفزع من المجهول”، الناجمة عن زائرنا الثقيل، عاملان أنسانا ورشا لا يقل أهمية، تترتب عن تجاهله عواقب وخيمة وأشد وطأة، ألا وهو التبرع بالدم، في ظل حاجة من ابتلوا بأمراض مزمنة ذات صلة وثقى بهذه المادة الحيوية أو تعرضوا لحوادث سير، أو الحوامل المقبلات على الوضع، الملحة إليه.
من هذا المنطلق، حاول مسؤولو المركز الوطني لتحاقن الدم غير ما مرة إيصال صرختهم المدوية، لإشعار من يهمهم الأمر بأن احتياطي الدم قارب ملامسة الصفر، حيث لا يتجاوز وطنيا 300 كيس في اليوم، فيما المعدل المطلوب محدد في 800 كيس).
للتخفيف من حدة الأزمة والخصاص، نزلت المؤسسات العسكرية والأمنية والجمركية خلال الأسابيع الثلاثة الأخيرة بثقلها المعهود، مقدمة من جديد النموذج الأمثل في التضحية وتلبية نداء الوطن، عبر إقدام كم هائل من نسائها ورجالها على التبرع بدمائهم الزكية في لمسة إنسانية غنية بالدلالات، مكنت من تجميع 8700 كيس ( احتياطي يغطي حاجيات 11 يوما )، لكن ضمان التزود المنتظم يحتاج إلى انتظام التبرع وملامسته لمختلف جهات المملكة، حتى لا نسقط في فخ تباين المخزون، وما يترتب عنه من مشاكل ومضيعة للوقت والجهد أيضا.
المؤكد أن هناك الآلاف من المدنيين الذي تحدوهم ذات الرغبة في السير على منوالهم، إلا أن الحجر الصحي يحول دون الوفاء بهذا الواجب الوطني- الإنساني، في ظل الحد من التحركات الناجمة عن الإجراءات الاحترازية المعتمدة لمحاصرة الوباء.
وللتوفيق بين مراد التبرع وعدم إفراغ الحجر الصحي من مفهومه وغاياته، نقترح:
• تحرك أطقم المركز الوطني لتحاقن الدم، وفق برنامج محدد، اتجاه أحياء بعينها ، بتنسيق مع السلطات المكلفة بشكليات التنظيم، لتمكين الراغبين في التبرع من القيام بواجبهم الوطني، على غرار حملاتها السابقة المنظمة بالمساجد.
• تيسير تنقل الراغبين في التبرع إلى أقرب مركز، باستعمال الرخصة الاستثنائية المقدمة لهم من السلطات، ما دام أن الغرض مندرج في خانة “الضرورة القصوى”، والعودة بمجرد إتمام الواجب إلى مقرات سكناهم.
مسؤولو المركز الوطني لتحاقن الدم محقون في دق ناقوس الخطر من جديد، ومخاوفهم لها ما يبررها، خصوصا وأن شهر الصيام على الأبواب. (يصنفه المختصون ضمن الفترات الحرجة التي يقل فيها التبرع). والمؤمل أن يتم تدبير هذه الظرفية الاستثنائية بالعقلانية اللازمة، دون تجاهل ضرورة العمل على إعداد استراتيجية تعيد للمواطن ثقته في مرافق بعض مراكز التبرع. إذ لم يعد خافيا أن المتبرعين يشتكون، حين تحولهم إلى هناك، من بعض السلوكات المرفوضة، من قبيل التعامل باستعلاء وإضاعة وقت ليس بالهين في انتظار قدوم الطبيب المكلف بالفحص القبلي، قصد التقرير في ما إذا كانوا أهلا للتبرع من عدمه.
التبرع بالدم ثقافة واعتقاد، وعلينا مجتمعين، كل من زاوية اختصاصه، العمل على تكريسه ليصير جزء من سلوكنا اليومي، بشكل ينسجم وتعاليم ديننا الحنيف الذي يحض على تحصين النفس من كل المخاطر، ومدها بكل سبل الحياة، مصداقا لقوله تعالى في سورة المائدة “من قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا، وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا “.