آراء ودراساتسلايدرمع قهوة الصباح

ورقة اليوم: نظراتٌ في الدعاءِ الناصِري….في مقام الاضطرار (1)

محمد التهامي الحراق
      دعما للأفق الروحاني في لحظات الابتلاء، واستحضارا لطاقة الدعاء عند الشدائد والضراء؛ كما تؤصل له المرجعية الإيمانية الجامعة بين البذل والتوكل، بين الأخذ بالأسباب وملازمة الدعاء؛ ننشر ها هنا نظرات في متن الدعاء الناصري(نسبة إلى الصوفي الكبير  محمد بناصر الدرعي دفين تمكروت عام 1085هـ). ويعد هذا الدعاءُ واحدا من أشهر الأراجيز التوسلية التي اعتاد أهل المغرب  استعمالها في باب التضرع عند الشدائد والمحن.
يقول الإمام محمد بن ناصر الدرعي:
        يـا مــــن إلـــى رحمتـــه الــمفر      —
                        ومن إليـــه يلجـــــأ الــــمضطَرُّ
بهذا البيت البليغ معنى ومبنى، تُشِع علينا القصيدة الناصرية  بمعانيها الروحانية الباذخة. إنه مطلع يتنزل منها منزلةَ العنوان المضيء لكل أبياتها؛ بل إنه يمثل البيت الجامع والمُجْمِل لكل أسرارها التي ستتفرع جداولُها في سائر المعاني الفرعية والوحدات الدلالية التفصيلية.
ذلك أننا إزاء نداء هو مفتاح مناجاة يخاطب فيها الناظمُ ربَّه بنعت الرحمة، وقد قدم الجارَّ والمجرور على مُتَعَلَّقِهما  إذا استعملنا لغة النحاة، فعرَّف مخاطَبه بوصف الرحمة التي إليها يفر الفارون، قال تعالى: ” فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ”. وما هذا التقديمُ إلا إلماعةٌ من طرف خفي إلى أزلية  رحمته سبحانه، ووُسْعِها لتشمل كل شيء. وقد أشار القرآن الكريم إلى هذه الحقيقة حين قال: “وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ”، و جاء في الآية الكريمة: “رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَّحْمَة”، وقال سبحانه: “فَقُل رَّبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَة”؛ فهو تعالى رحمان الدنيا ورحيم الآخرة. أو ليس هو سبحانه القائل: «كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَىٰ نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ»؛ أو ليس رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد أخبرنا في الحديث القدسي أنه: “لَمَّا قَضَى اللَّهُ الْخَلْقَ كَتَبَ فِي كِتَابِهِ فَهُوَ عِنْدَهُ فَوْقَ الْعَرْشِ: إِنَّ رَحْمَتِي سَبَقَتْ غَضَبِي”؛ أو ليس هو سبحانه من أرسل نبي المرحمةِ رحمةً للعالمين. فهذه الرَّحَمُوتية  تشكل أعظمَ مِنَّة تجلى بها سبحانه على خلقه، إذ برحمته أوجد الخلق، وبها نفخ فيه من روحه، لذلك كانت هذه الرحمةُ هي ملجأَ المضطَر متى ما ضاقت به السبل، وانسدت إزاءه الأبواب، ومسته الضراء والأسواء. قال تعالى: “أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ”. ولإدراك العارفين لهذه الحقيقة فقد لزموا مقام الاضطرار، يقول أبو العباس المرسي: “الولي لا يزال مُضطَرًّا”، وهو ما ضمنه تلميذُه ابن عطاء الله السكندري في إحدى “حِكمهِ” بقوله: “العارفُ لا يزول اضطراره، ولا يكون مع غير الله قرارُه».

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

سبعة عشر + ثلاثة =

زر الذهاب إلى الأعلى
MCG24

مجانى
عرض