آراء ودراساتسلايدرمع قهوة الصباح

ورقة اليوم: نظراتٌ في الدعاءِ الناصِري….في عظمة القدرة الربانية(3)

محمد التهامي الحراق
دعما للأفق الروحاني في لحظات الابتلاء، واستحضارا لطاقة الدعاء عند الشدائد والضراء؛ كما تؤصل له المرجعية الإيمانية الجامعة بين البذل والتوكل، بين الأخذ بالأسباب وملازمة الدعاء؛ ننشر ها هنا نظرات في متن الدعاء الناصري(نسبة إلى الصوفي الكبير محمد بناصر الدرعي دفين تمكروت  توفي عام 1085هـ). ويعد هذا الدعاءُ واحدا من أشهر الأراجيز التوسلية التي اعتاد أهل المغرب استعمالها في باب التضرع عند الشدائد والمحن.
يقول الإمام محمد بن ناصر الدرعي في مجليا عظمة المولى وهو يتضرع إليه:
فلا أجل من عظيم قدرتك  —
                              ولا أعز من عزيز سطوتك
لعز ملكك الملوك تخضع —
                            تخفض قدر من تشا وترفع
و معلوم أن قدرة الحق تعالى بالغة، فهو سبحانه “القادر” و”المقتدر” و”القدير”، قال تعالى: ﴿إِنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾، وقال سبحانه: ﴿ يَخْلُقُ مَا يَشَاء وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ﴾، وقال أيضا: ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا﴾؛ ومن ثم فقدرة الحق سبحانه مطلقة لا يدركها عقل و لا يحتويها خيال. ونفس الشأن بالنسبة لعزته سبحانه، إذ هو العزيز  المحض على الحقيقة، قال تعالى: ﴿وَلَهُ الْكِبْرِيَاءُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾، و قال أيضا: ﴿يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ﴾؛ بل إنه سبحانه هو ربّ العزة الذي  لا يحتويه وصف و لا يفصح عن جلاله حرف؛ قال تعالى:﴿سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ﴾. هكذا تتبدى قوة الدعاء الناصري في هذا البيت وهو يستدعي تينك القدرة و العزة، لإبراز جلال عظمة القدرة الربانية و عزة السطوة الإلهية، مما يقوي من شأو إيمان وأمان المضطرّ وهو يلجأ إلى رحمة ربه.
ولمزيد بيان لجلال عظمة القدرة الربانية وعزة السطوة الإلهية المشار إليهما في البيت السابق، يبسط الناظم أثر تلك العزة فيقول: “لـــــعز ملكك الملــــوك تخضـــع”، و يبسط أثر تلك القدرة فيقول: “تخفض قدر من تشـاء وترفـــع”. وفي ذلك جمع بين أوصاف الرحموتية السالف بسطها من كونه سبحانه “رحيما” و “عفوا” ومغيثا”، وأوصاف “الجبروتية” من كونه سبحانه “قديرا” وعزيزا” و”ملك الملوك” يتصرف في خلقه كيف شاء، قال تعالى: ﴿قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء، وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾. وفي الجمع بين الرحموتية والجبروتية كمالُ الربوبية الواصلة بين صفات الجمال و صفات الجلال.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اثنان × واحد =

زر الذهاب إلى الأعلى
MCG24

مجانى
عرض