
الدكتور عباس الجراري ، شخصية موسوعية متعددة العطاءات -الحلقة 21
إعداد : د. منير البصكري الفيلالي
انطلاقا مما ذكرناه في الحلقة السابقة ، يمكن الولوج إلى عالم أستاذنا الجليل كأحد أقطاب الثقافة المغربية ، إذ يحبل تاريخه العلمي والثقافي والأدبي بالعديد من الإنجازات الفكرية . ومن ذلك اهتمامه بالشعر الملحون ، وهو شق من الأدب المغربي ، تم إدخاله إلى رحاب البحث العلمي الجامعي على يد الأستاذ الجراري بعد صراع مرير مع نخبة معترضة . فكان له دور كبير في التغلب على كل الصعوبات التي واجهته من طرف بعض المثقفين في سنوات السبعين من القرن الماضي ، حيث كان لهم موقف سلبي من تدريس الأدب الشعبي في الجامعة المغربية . وقد عبر أستاذنا عن هذا الموقف في كتابه : ” الزجل في المغرب ، القصيدة ” بقوله : ” ولعلنا أن نؤكد لهؤلاء جميعا ، أن الأدب الشعبي جزء ركين من التراث ، وأنه تعبير عن مقومات الشخصية الوطنية والذاتية الجماعية ، وأن الاهتمام به اهتمام بهذه الذاتية وتلك المقومات . ”
يبدو أن ” الموقف الرافض للأدب الشعبي سقيم في جوهره وغير معلل ، وربما يحمل في طياته بذور التكبر والتعجرف ، والخوف من الالتصاق بمبدعين شعبيين في دكاكينهم وأماكن عملهم المتواضعة في وسط من العيش متذبذب ، ينفر أكثر مما يجذب ، وغن تعلل بعض الرافضين بالحرص على اللغة العربية الفصحى ، ومحاربة الاستعمار .. وكأن الأدب الشعبي والملحون على وجه الخصوص ، خلو من الإشادة بأمجاد البلاد والتحريض على الاستبسال أثناء مقاومة المحتل الغاشم ” .
ومعلوم أن اعتماد أستاذنا إدخال الأدب الشعبي إلى رحاب الجامعة ، قد لاقى ـ كما أسلفناـ مقاومة كبيرة . وعلى الرغم من كل العراقيل والصعوبات ، استطاع الدكتور الجراري إدماج الشعر الملحون في مقررات سنوات الإجازة ، بل أن تهيأ تحت إشرافه رسائل وأطاريح في هذا الباب ، إدراكا منه لأهمية هذا الشعر، وشعورا بالحاجة إلى مزيد من البحث فيه لاستكمال ديوانه التر الغزير ، وتعميق درسه وتحليله ، وإبراز خصائصه والتعريف بأعلامه
يتبع ..