
العفو الملكي بين حكمة الدولة ونداء الإنسانية
السماح لناصر الزفزافي بحضور جنازة والده رحمه الله، إلتفاتة إنسانية و فعل عميق يحمل في طياته إشارات أبعد من حدود الواقعة. لقد أبانت الدولة من خلال هذه المبادرة أن القانون، مهما كانت صرامته، لا يغفل البعد الإنساني، وأن السياسة الرشيدة ليست سوى توازن دقيق بين صيانة هيبة المؤسسات وبين الإستجابة لصوت الرحمة والإنصاف.
وتبقى الثقة بين الدولة والمجتمع هي الكفيلة بطي ملف أحداث الريف ، وأن العفو لا يقاس فقط بصفته القانونية بل بقدرته على إعادة الثقة وترميم الجراح. فالزفزافي اليوم لم يحضر جنازة أبيه فحسب، بل حضر أيضا كعنوان على أن الدولة قادرة على تحويل الأزمات إلى فرص جديدة للتلاقي.
لقد آن الأوان، بعد سنوات من التوتر، لأن يطوى ملف أحداث الريف بروح من المصالحة الوطنية الشاملة، تعيد للمعتقلين مكانتهم الطبيعية داخل مجتمعهم، وتعيد للمجتمع ذات يقينه في أن الدولة لا تتعامل بمنطق العقاب فقط، بل بمنطق البناء والتجاوز.
إن المبادرة الأخيرة ليست سوى أول خيط في نسيج مصالحة كبرى قد تتوج بعفو ملكي شامل، يؤسس لمرحلة جديدة تسدل الستار على جراح الماضي، وتفتح أفقا رحبا لمغرب أكثر تماسكا وإنصافا، حيث تلتقي حكمة الدولة بنداء الإنسانية في نقطة واحدة،وهي طي صفحة الألم من أجل كتابة صفحة الأمل.
ختاما، نعم و كما قلت يا ناصر وأنت تشيع والدك إلى مثواه الأخير وبين أهلك ودويك : “لاشيء يعلو على الوطن، من صحرائه إلى شماله، ومن شرقه إلى جنوبه، هو البيت الذي يجمعنا جميعا تحت سقف واحد. في هذه اللحظة الأليمة، لا يسعني إلا أن أؤكد أن الانتماء لهذا الوطن يظل فوق كل اعتبار، وأن مصلحته ووحدته تبقى أسمى من أي شيء آخر”.
ذ/ الحسين بكار السباعي
محام وباحث في الهجرة وحقوق الإنسان.