
“الروليت الروسية الفتاكة”
محمد التويجر
الإعلام والتواصل مسؤولية جسيمة جليلة، تستدعي استشعار المشتغلين فيه دوما المصالح العليا للبلاد وأهلها. وتتطلب مراكمة ما يكفي من خبرة، معززة بتكوين أكاديمي يتفاعل مع تطوراته المضطردة. ودون ذلك، يحوله إلى لعبة خطيرة شبيهة ب”الروليت الروسية” الشهيرة الخطيرة ( تقضي بحشو المسدس برصاصة واحدة، ليتناوب بعدها ستة متنافسين على تسديده إلى صدغ رؤوسهم، وسيء الحظ من يصادف الخانة المثبتة بها الرصاصة القاتلة.).
وجدت نفسي مضطرا اليوم للتطرق إلى هذا القطاع، بعدما أبانت التجربة أننا ابتلينا بطفيليات تتجاهل جسامة المسؤولية الملقاة على عاتقها، أعماها الجشع والبحث عن “البوز”، فاستحلت كل السبل لرفع مؤشر نسبة متابعتها، ضاربة عرض الحائط ما سيتمخض عن تهورها واستهتارها بالقيم، من إضرار بالوطن ومنتسبيه.
آخر تجليات ذك مسيرات الجهالة التي جابت أخيرا بعض المدن، وكأنها جزء من سيناريو فيلم “الرسالة” للمخرج المبدع الراحل مصطفى العقاد، بعدما نفث في آذانها بعض تجار الرقية الشرعية أن التكبير والتهليل سيختصر عليهم مسافة القضاء على فيروس كورونا، قبل علماء العالم الذين يصلون الليل بالنهار، لعلهم يهتدون إلى لقاح يحرر البشرية من هذا الخطر. ناسين أن الله موجود في كل مكان، يتفاعل مع مناجاة عباده وتضرعهم له ولا يرتضي لهم أن يلقوا بأنفسهم إلى التهلكة، وتوسيع دائرة تفشي الوباء.
مصورو مسيرات الجهل والعار، المتعارضة مع استراتيجية المصالح المختصة، اعتبروا توثيق “الحدث” بالصور والصورة فتحا عظيما، ناسين أنهم بفعلتهم هذه ، لا يقلون أمية عن “كومبارس” الجزء الثاني من فليم الرسالة ( معذرة لروح المخرج المبدع) ، الذين سيقوا كما تساق القطيع إلى “كورنة كورونا”.
تهافتكم على “لايكات الإعجاب” يوقعكم تحت طائلة العقاب، خصوصا في هذه الظرفية الحساسة التي لا تساهل فيها مع من يعرض سلامة الوطن للتهديد.
عدم احترامكم لمقتضيات شرف المهنة، المتبرئة من عملية ” الشناقة الإعلامية”، يفرض تدخلا زجريا سريعا من القضاء والوزارة الوصية بتنسيق مع المجلس الوطني للصحافة لوقف هذا الفيروس شبيه الجرثومة القاتلة، مع وجود الفارق أن المواقع غير المسؤولة فيروسات تمشي في الأسواق وتأكل الطعام مثلنا، لكنها تختلف عنا بأنها مصرة على رفض استشعار صعوبة الظرفية.
حالة الطواريء التي أبدعت السلطات في تنزيل مقتضياتها بالتدرج، وحظيت بإعجاب الكثير من الدول، يجب أن تشمل مستقبلا هذه الفئة المتلاعبة بسلامة البلاد وصحة ساكنتها، وإلا اختلط الأمر على الرأي العام، الذي سيجد نفسه مضطرا لتصنيف كل مكونات الإعلام في خانة واحدة، مبخسا الإعلام المحترف المواطن الجهود التي يبذلها منذ اندلاع حرب كورونا ، معرضا سلامة المشتغلين وذويهم فيها إلى الخطر.
الإعلام والتواصل – أيها السادة- أمانة جسيمة، وسلاح يتطلب إجادة استعماله، وإلا شملت آثار خرابه حامله وكل من يتحرك في محيطه. فلتتحمل الجهات المختصة مسؤوليتها بإعادة الأمور إلى نصابها، عبر تشذيب شجرة الإعلام المغربي من أغصانها الفاسدة “الميتة – المميتة”، وتخليص محيطها من الأعشاب الضارة، بدل ترك الحابل على الغارب، بدعوى أننا بلد منفتح ، محترم للتعددية وحرية التعبير….فهل من مجيب؟