
تشهد المؤسسة التشريعية المغربية أزمة متفاقمة تتعلق بارتفاع نسب غياب النواب عن جلسات مجلس النواب، حيث تجاوزت نسبة الغياب عتبة 60% خلال السنة الثالثة من الولاية التشريعية الحالية، بحسب تقرير صادر عن المجتمع المدني لرصد وتقييم أداء البرلمان، كما يظهر جليا خلال الجلسات التي يتم بثها على التلفزيون الرسمي، هذه النسبة المرتفعة تشكل تهديدًا لفعالية البرلمان في أداء دوره الرقابي والتشريعي، مما يؤدي إلى تعطل الكثير من القوانين والمبادرات الهامة التي تحتاج إلى مناقشة وإقرار.
غياب مقلق وأرقام صادمة
بناءً على العدد الإجمالي لأعضاء مجلس النواب البالغ 395 نائبًا، فإن نسبة الغياب المرتفعة تعني أن حوالي 237 نائبًا يتغيبون عن الجلسات بشكل مستمر، مما يؤدي إلى تعثر النصاب القانوني ويعطل المناقشات والتصويتات الحيوية، تشير التقارير إلى أن من بين 50 جلسة عامة عُقدت خلال السنة الثالثة، لم يكتمل النصاب في العديد منها، وهو ما أثر سلبًا على سير العملية التشريعية وأخر تمرير عدد من القوانين المهمة.
الاقتطاعات: إجراء غير فعال
على الرغم من الجهود المبذولة للحد من هذه الظاهرة، بما في ذلك سياسة الاقتطاع من تعويضات النواب المتغيبين بدون عذر، والتي بلغت إجماليًا أكثر من 400,000 درهم في سنة واحدة، لم يظهر أي تحسن ملحوظ في نسب الحضور، يبدو أن هذا الإجراء لم يكن كافيًا لردع النواب عن الغياب، حيث أن بعضهم يعتمد على مصادر دخل أخرى تعوض هذا الاقتطاع، مما يجعله غير مؤثر بالشكل المتوقع.
تستر الفرق البرلمانية على غياب النواب
التستر على غياب النواب من قبل رؤساء الفرق البرلمانية يمثل إشكالية إضافية تُعمق الأزمة. هناك اتهامات تشير إلى أن بعض رؤساء الفرق يتواطؤون مع النواب المتغيبين، إما بسبب الروابط الحزبية أو العلاقات الشخصية، مما يؤدي إلى التغاضي عن تفعيل العقوبات أو تقليل من حجم الغياب، هذه الممارسات تسهم في تعزيز ثقافة اللامبالاة بين النواب، وتجعل العقوبات غير فعالة.
يُعتبر هذا التستر تحديًا كبيرًا أمام الإصلاحات المطلوبة لرفع مستوى الحضور والالتزام، إذ أن التواطؤ الداخلي يعطل المساءلة البرلمانية، ويؤدي إلى تفاقم حالة الغياب المتكررة، كما يُضعف ثقة المواطنين في البرلمان ويزيد من إحباطهم من أداء النواب الذين انتخبوهم لتمثيلهم.
تأثيرات الغياب على العمل التشريعي
الغياب المتكرر للنواب لا يؤثر فقط على الجلسات العامة، بل ينعكس أيضًا على عمل اللجان البرلمانية، التي تُعد ركيزة أساسية في صياغة القوانين ومتابعة تطبيقها، تشير الإحصائيات إلى أن حوالي 30 مشروع قانون تعرض للتأجيل أو التعديل بسبب غياب النصاب القانوني، مما أثر سلبًا على تقدم الإصلاحات في عدة قطاعات حيوية مثل التعليم والصحة.
الحاجة إلى شفافية أكبر ومحاسبة فعالة
مع تصاعد هذه الأزمة، هناك دعوات متزايدة لتطبيق إجراءات أكثر شفافية ومحاسبة حقيقية، حيث يُطالب بعض المراقبين بضرورة نشر تقارير دورية حول نسب حضور النواب، وتسمية النواب المتغيبين بشكل علني، مما يضعهم أمام ضغط اجتماعي وإعلامي لتحسين أدائهم، كما يمكن تعزيز الآليات الرقابية من خلال ربط الحضور بتقييم شامل لأداء النواب، ونشر نتائج هذا التقييم للعامة، كخطوة لتحفيزهم على الالتزام.
أزمة تتطلب إصلاحات جذرية
ظاهرة الغياب المتزايدة داخل البرلمان المغربي والتستر عليها من قبل الفرق البرلمانية تهدد استقرار وفعالية العملية التشريعية في المغرب، عجز الاقتطاعات عن حل المشكلة، والتواطؤ الحزبي، يتطلبان إصلاحات جذرية تعتمد على الشفافية والمحاسبة، فالبرلمان هو العمود الفقري للديمقراطية، ولا يمكن أن ينجح إلا إذا التزم أعضاؤه بأداء واجباتهم التشريعية والرقابية بجدية وتفانٍ.