
أسعار زيت الزيتون … من يوقف الارتفاع الصاروخي؟
تشهد أسعار زيت الزيتون ارتفاعاً متزايداً موسمًا بعد آخر، نتيجة التراجع الكبير في إنتاج أشجار الزيتون بفعل الجفاف الذي يضرب عدة مناطق في المغرب، هذا الارتفاع يعكس بشكل واضح تأثيرات التغيرات المناخية وشح الموارد المائية، إذ بلغ سعر زيت الزيتون الجديد، الذي دخلت أولى شحناته إلى الأسواق مؤخراً، حوالي 120 درهما للتر، بزيادة تصل إلى 40 درهما مقارنة بالسعر المسجل في العام الماضي.
مصادر ميدانية أكدت أن هذا الارتفاع ليس مستغرباً، بالنظر إلى الظروف التي يعاني منها القطاع الزراعي. فمثلاً، في مناطق بني ملال وقلعة السراغنة والعطاوية وأزيلال، بدأت مجموعة من الفلاحين ومهنيي بيع زيت الزيتون في عرض منتوجهم بأسعار متفاوتة، تتراوح بين 110 و120 درهما للتر. أما الزيت المخزن من الموسم الماضي، فقد استقر سعره عند 100 درهم للتر، وهو مستوى غير مسبوق نتيجة التدهور الكبير في المساحات السقوية، خصوصاً في حوض نهر أم الربيع.
تعد أزمة المياه من أكبر التحديات التي تواجه الفلاحين، حيث تسببت في جفاف عشرات الهكتارات من أشجار الزيتون التي تعتمد بشكل كبير على السقي. ووفقاً لتقارير رسمية، تراجع حجم المساحات السقوية في مناطق مثل أم الربيع بنسبة %60 في السنوات الأخيرة، هذا الوضع أدى إلى موت عدد كبير من أشجار الزيتون، مما أثر بشكل مباشر على الكميات المعصورة من الزيتون وجودتها.
على مستوى الإنتاج، فإن مردودية الزيتون في الشحنات الأولية كانت ضعيفة، حيث يُستخرج من قنطار الزيتون حوالي 9 إلى 12 لتراً فقط من الزيت، وهو ما يفسر ارتفاع الأسعار. وبالنسبة للزيتون، فهناك تفاوت كبير في الأسعار حسب الجودة، الزيتون الجيد الذي يُجمع مباشرة من الأشجار يباع بأكثر من 15 درهما للكيلوغرام، في حين أن الزيتون الأقل جودة، المعروف باسم “الطايح”، يباع بأقل من 10 دراهم للكيلوغرام، ويعود ذلك إلى تعرضه لعوامل الطقس مثل الرياح والبرد قبل جنيه.
تعاني مناطق مثل قلعة السراغنة من آثار الجفاف بشكل حاد، حيث أعدم الجفاف مساحات واسعة من حقول الزيتون، الفلاحون هناك يواجهون أوضاعاً صعبة، وبعضهم لجأ إلى سرقة المياه لسقي حقولهم بعدما توقفت السلطات عن توفير المياه لهم. وتحدثت تقارير عن عدة حالات من الاعتقالات بسبب هذا الأمر، فيما اضطر آخرون إلى بيع أخشاب أشجارهم لمواجهة تداعيات الجفاف على دخلهم.
يبرز التناقض بين طموحات مخطط المغرب الأخضر والواقع المأساوي الذي يعيشه قطاع زيت الزيتون بشكل جلي، حيث وُعد المخطط، الذي أُطلق في 2008، بتحقيق نهضة في الإنتاج الزراعي وزيادة مردودية زراعة الزيتون، مما كان يُفترض أن يجعل المغرب واحداً من أبرز المنتجين والمصدرين عالمياً. إلا أن الواقع الحالي يكشف عن فشل واضح في تحقيق تلك الأهداف، إذ يواجه الفلاحون في مناطق مثل قلعة السراغنة وبني ملال نقصاً حاداً في مياه السقي، ما أدى إلى تدهور حقول الزيتون بشكل كبير. ومع استمرار الجفاف، تراجعت الإنتاجية بشكل كارثي، حيث تقلصت مردودية بعض الحقول بنسبة تفوق %50، ما أدى إلى ارتفاع الأسعار بشكل غير مسبوق وترك الفلاحين يواجهون أزمة مزدوجة تتمثل في فقدان محصولهم وتدهور وضعهم الاقتصادي. هذا الواقع يبرز فشل المخطط في تكييف سياساته مع الظروف المناخية الصعبة ويثير تساؤلات حول الاستراتيجيات المتبعة لدعم القطاع الزراعي وتحقيق التنمية المستدامة.
من ناحية الأرقام، يُقدّر أن المغرب ينتج حوالي 140,000 طن من زيت الزيتون سنوياً في الظروف العادية، إلا أن الإنتاج هذا العام قد ينخفض بأكثر من %50 بسبب الجفاف، كما أن المغرب يحتل المرتبة السادسة عالمياً في إنتاج زيت الزيتون، إلا أن الظروف الحالية قد تؤثر على موقعه في السوق الدولية، خاصة في ظل الطلب المتزايد على الزيتون المغربي في الأسواق الأوروبية.
يتزايد غضب المستهلكين إزاء الارتفاع الكبير في أسعار زيت الزيتون، فيما يعيش الفلاحون فترة صعبة بسبب التحديات البيئية والاقتصادية، هذا الوضع يستدعي تدخلاً عاجلاً من السلطات لدعم الفلاحين وتعزيز البنية التحتية المائية، من أجل الحفاظ على هذا القطاع الحيوي الذي يشكل مصدراً رئيسياً للدخل لألاف الأسر في المغرب.