
صورة عميد الأدب المغربي الدكتور عباس الجراري في أعين شعراء الملحون- الحلقة الثالثة
إعداد : الدكتور منير البصكري الفيلالي / أسفي
بمناسبة الإطلالة البهية لشهر رمضان الكريم لعام 1446 الموافق لعام 2025 أهدي هذه السلسلة من الحلقات الرمضانية إلى روح عميد الأدب المغربي أستاذي الدكتور عباس الجراري أكرم الله مثواه بعنوان : ” الدكتور عباس الجراري على ألسنة شعراء الملحون “. فاللهم ارحمه واعف عنه يا كريم واكتبه عندك من المحسنين وارزقه الجنة دون حساب ، وتظله تحت عرشك يوم لا ظل إلا ظلك .. اللهم بجاه بركة هذا الشهر الفضيل , ارحم أمواتا ينتظرون منا الدعاء ، واغفر لهم ونور قبورهم واجعلها بردا وسلاما برحمتك يا أرحم الراحمين .
لا شك أن الجهود التي يبذلها شعراء الملحون واختيار المناسب من الأشعار ، يعتبر الصورة الإبداعية الحقيقية لهذا اللون من التعبير الذي يعد سجلا حيا للذاكرة الجماعية . فقد عرفه المغاربة كتراث غني ، يبرز مقومات الثقافة المغربية ومختلف مظاهرها الأصيلة ، مما يؤكد أن الملحون كتابة إبداعية ، يروم شاعر الملحون التعبير عنها وإيصالها إلى متلقي إبداعه .. من هذا المنطلق زاد اهتمام المغاربة به في مختلف الحواضر كفاس ومراكش والصويرة وأسفي وسلا والرباط ومكناس وأزمور وتارودانت ، حيث غدا الملحون ديوانهم ، يسجل حضارتهم بقوة معانيه وعمق أفكاره ، وقيمته الأدبية والفنية . وهكذا اتسع نطاق الاهتمام والعناية بهذا التراث الأصيل ، نظرا للدور المهم الذي يقوم به في تخليق الحياة العامة ، وفي تربية الذوق الحضاري المتميز . فرسالته إذن نبيلة ، تنبع من عمق الأصالة المغربية .. لأن الكلام الذي يتوسل به شعراء الملحون ، كلام نظيف يكشف لنا عن عناصر الأصالة في ثقافة الشعب المغربي . يؤكد أصالته في أشكاله وقوالبه التقليدية .. ومن ثمة ، تغنت به الجماهير الشعبية في كل مكان من هذا البلد الأمين ، حيث عرف حضورا وتميزا في عدة مراكز ، يمكن اعتبارها مدارس تخرجت منها أفواج من خيرة الشعراء المبدعين ، في مقدمتها تافيلالت ، ذلك أن صحراءها كانت الموطن الأول لفن الملحون ، حيث نبغ أوائل شعرائه ، وحتى بعض الشعراء الذين نبغوا في أقاليم وجهات أخرى ، يرجع أصلهم إلى هذا الإقليم ، كالشاعر عبد العزيز المغراوي والمصمودي والجيلالي امتيرد في العصر العلوي . ويلي هذا المركز مدن أخرى على حد ما تمت الإشارة إلى ذلك سابقا .
وهكذا ، يتبين أن الملحون يعد من أسمى مظاهر الثقافة الشعبية ببلادنا .. تكونت مقوماته عبر العصور منذ أن ترعرعت القصيدة في تافيلالت واحتضنتها المراكز الحضرية في غيرة وإعجاب ، لتساهم في صياغة الوجدان المغربي ، وفهم أكثر عمقا وشمولية لذاتيتنا ولتراثنا الشعبي .
لقد حان الوقت ، يقول أستاذنا الدكتور عباس الجراري ـ رحمه الله ـ ونحن نبحث عن تراثنا ، ونبحث عن شخصيتنا ومقومات هويتنا ، ونحن نتصارع في الساحة من اجل هذه الهوية بعلم مرة وبجهل أخرى ، أن نفتح المجال للأنماط التعبيرية الشعبية ، لكي يكون لها ما هو لائق بها من ظهور في رحاب الجامعة ومسرح الثقافة المغربية .
من هذا المنطلق ، جاءت دعوة عميد الأدب المغربي إلى ضرورة إحداث هيأة وطنية لفن الملحون ، تلتئم حولها كل الفعاليات ، ليكتسب هذا الفن قوة ووزنا وحضورا فعليا داخل الإعلام والجامعات والمعاهد .