
عبد اللطيف أفلا
التزاما بالتوجيهات الملكية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس حفظه الله، واستحضارا للمعنى الدستوري العميق لتمثيل الأمة، وتنفيذا للمخطط الاستراتيجي للمجلس للفترة 2024–2027، ركائز ثلاث سطرها رئيس مجلس المستشارين السيد محمد ولد الرشيد بإشراك مكونات المجلس، لتعزيز أدواره وتجويد حضوره المؤسساتي، وهي رؤية استراتيجية رصينة رست بسفينة ولد الرشيد ورفاقه في مرفأ الأمان، فكانت الحصيلة مشرفة ومتميزة كما يراها السيد ولد الرشيد، وهي فعلا كذلك بناء على أرقام ذكر بها خلال حديثه الختامي عشية يوم الثلاثاء22 يوليوز 2025، إسدالا للستار على دورة أبريل من السنة التشريعية 2024-2025.
بيسر شديد دون بحث أو تدقيق في حصيلة هذه الدورة، يتبين بشكل جلي الانخراط المسؤول للمجلس في ترسيخ مقومات المشروع التنموي الشامل الذي وضعه جلالة الملك محمد السادس نصره الله، يقول السيد ولد الرشيد:
“.. وما من شك أن مجرد نظرة أولية في حصيلة هذه الدورة، كفيلة بإبراز ما شكلته من إضافة نوعية في المسار المتواصل لعمل المجلس، بالنظر إلى ما حملته من دينامية قوية، تعكس انخراطا واعيا ومسؤولا في ترسيخ مقومات المشروع التنموي الشامل، الذي يروم إرساء أسس اقتصاد تنافسي، ومجتمع متماسك، ومجالات ترابية منصفة..”
وأشار السيد ولد الرشيد إلى أن قناعة المجلس تدرك بيقين ثابت بأن الحفاظ على المكتسبات رهين بالتلاحم المؤسساتي وحسن توظيف الإمكانات الوطنية، بالرغم من التحديات الإقليمية والدولية، والانتظارات الاجتماعية والضغوط الاقتصادية.
” .. نعبر في ذات الوقت عن وعينا الجماعي بدقة المرحلة التي واكبت أشغالنا، في ظل تضافر رهانات داخلية، تفرضها الانتظارات الاجتماعية والضغوط الاقتصادية، مع تحديات السياقين الإقليمي والدولي، اللذين لا يزالان يرزحان تحت تداعيات غير مسبوقة من التوتر وعدم الاستقرار، لاسيما في محيطنا العربي وجوارنا الأوربي وعمقنا الإفريقي.
ورغم جسامة هذه التحديات، تظل قناعتنا راسخة، كأمة موحدة وملتفة حول العرش العلوي المجيد، بأن الحفاظ على مكتسباتنا الاستراتيجية رهين بتوطيد التلاحم المؤسساتي، وحسن توظيف إمكاناتنا الوطنية، واستشراف المستقبل برؤية واضحة وإرادة جماعية صلبة.”
وأضاف المتحدث أن نقاشات الدورة ومبادراتها التشريعية والرقابية والديبلوماسية، رُسمت
بسياق عالمي أبرزها مكر أعداء وحدتنا الترابية:
“..نعتقد أن ما طبع هذه الدورة من نقاشات ومبادرات تشريعية ورقابية وديبلوماسية، قد جاء في سياق عالمي متقلب، مطبوع باستمرار تداعيات الأزمات الاقتصادية الدولية، وتزايد المطالب الاجتماعية، وارتفاع منسوب الترقب لدى الفاعلين الاقتصاديين ببلادنا، نتيجة الاستحقاقات والتظاهرات الدولية والقارية المقبلة، فضلا عن تصاعد الحملات العدائية الممنهجة ضد وحدتنا الترابية، في محاولات يائسة لمواجهة ما تحققه بلادنا من مكتسبات سياسية ودبلوماسية متنامية”
ولأنه مؤسسة دستورية قوية مناضلة مُواطنة و وطنية، فإن مجلس المستشارين بكل مكوناته، دافع ويدافع بجميع الاتجاهات عن سيادة ومصالح المملكة المغربية:
” لم يركن مجلس المستشارين إلى موقف المراقب، بل انخرط بكامل مكوناته، من مكتب ولجان وفرق ومجموعات، وانطلاقا من صلاحياته الدستورية، في دعم قضايا الوطن، وتعزيز الأدوار المنوطة به.. أن مجلس المستشارين ليس مجرد فاعل تشريعي ورقابي فحسب، بل أثبت دوره كمؤسسة دستورية وازنة، وصوت من أصوات الأمة، ورافعة أساسية للدفاع عن المصالح العليا للبلاد..”
وجردا لحصيلته التشريعية المشرفة والنوعية، وعلى مستوى المنظومة القضائية، أدرج المجلس نصوصا تشريعية يتقدمها مشروع القانون المتعلق بالمسطرة المدنية، والقانون المتعلق بالمسطرة الجنائية، والمصادقة على غيرها كالقانون التنظيمي رقم 09.25 بتغيير وتتميم القانون التنظيمي رقم 106.13 المتعلق بالنظام الأساسي للقضاة، والقانون رقم 46.21 الذي يتعلق بتنظيم مهنة المفوضين القضائيين، كما صادق مجلس المستشارين على القانون رقم 33.22 المتعلق بحماية التراث.
وفي هيكلة التغطية الصحية الإجبارية، اعتمد المجلس مشروع القانون رقم 24.35 بتغيير وتتميم القانون رقم 65.00 المتعلق بالتأمين الإجباري الأساسي.
وتفاعلا من الاستحقاق الكروي العالمي، تمت المصادقة على مشروع القانون رقم 35.25 الخاص بمؤسسة المغرب 2030، التي ستعمل على إعداد وتنظيم جميع التظاهرات الرياضية الدولية بالمغرب، وبشكل رئيس كأس مونديال 2030.
إضافة إلى العشرات من النصوص التشريعية التي همت جبايات الجماعات الترابية، وهيئات التوظيف الجماعي للقيم المنقولة، وإحداث الوكالة الوطنية للمياه والغابات، وإصلاح المراكز الجهوية للاستثمار، أعلن السيد الرئيس خلال كلمته في ختام دورة أبريل للسنة التشريعية 2024-2025، بأن المجلس وفي نفس اليوم بتاريخ 22 أبريل 2025 صوت بالرفض على مقترح قانون يقضي بتغيير وتتميم المادة 20 من القانون بمثابة مدونة الأسرة.
وبلغ مجموع التعديلات التشريعية التي اقترحتها لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان بالمجلس على نصوص القوانين خلال هذه الدورة، 1039 تعديلا.
وفي الحصيلة الرقابية للمجلس، فقد تم خلال دورة أبريل 2025، عقد ثلاثة عشرة (13) جلسة للأسئلة الشفهية الأسبوعية، تم خلالها مساءلة 27 قطاعا حكوميا في اهتمامات مختلفة ومتنوعة يتقدمها القطاع الفلاحي، وقد بلغ عدد الأسئلة الشفهية، 1256 سؤالا، والأسئلة الكتابية 1170.
ولأن التشغيل والاستثمار ملفان كبيران، ودعامتان أساسيتان للاقتصاد والتنمية الاجتماعية، فقد حظيا باهتمام بالغ من قبل المجلس، فشكل لأجلهما المجموعة الموضوعاتية المكلفة بالتحضير للجلسة السنوية لمناقشة وتقييم السياسات العمومية المرتبطة بالاستثمار والتشغيل.
وشكلت الندوة الوطنية في موضوع “الاستثمار والتشغيل والتحول البنيوي في المغرب: نحو حكامة ترابية جديدة دامجة”، التي عُقدت بتاريخ 11 يونيو الماضي، الأرضية الصلبة والفضاء الرحب لدراسة وتقييم السياسات الاقتصادية الكبرى ومناخ الأعمال وديناميات التشغيل.
وهي الندوة التي سبقتها وأعقبتها جلسات استماع وندوات وزيارات ميدانية ولقاءات مع خبراء ومتخصصين وفاعلين في مجال السياسات العمومية موضوع التقييم، خلصت بإيداع تقريرها للنقاش الحكومي صبيحة اليوم الختامي 22 يوليوز 2025.
وغير ذلك، وقبله نظمت المجموعة الموضوعاتية المؤقتة المكلفة بتقديم الاستشارة حول قضية الصحراء المغربية، يوم الاثنين 5 ماي 2025، ندوة وطنية بمقر مجلس المستشارين، تحت عنوان “البرلمان المغربي وقضية الصحراء المغربية: من أجل دبلوماسية موازية ناجحة وترافع مؤسساتي فعال”، كما عقدت بتاريخ 21 من شهر يونيو ندوة وطنية كبرى بمدينة العيون، تحت شعار “الصحراء المغربية: من شرعية التاريخ إلى رهانات المستقبل.
وبالأرقام ذكر السيد ولد الرشيد في معرض كلمته بعدد الجلسات خلال هذه الدورة، وهي ما مجموعه 24 جلسة عامة، بين جلسات الأسئلة الشفهية، الأسبوعية والشهرية، وجلسات التشريع وتقييم السياسات العمومية والجلسات الخاصة، أما اللجان الدائمة فقد عقدت خلال نفس الفترة، 30 اجتماعا.
ومواكبته للجهود التي تبدلها مملكتنا المغربية لتسريع تنزيل الجهوية المتقدمة، برهن المجلس عن حضوره القوي، حيث عقد يوم 8 ماي ندوة موضوعاتية جهوية بشراكة مع جهة مراكش-آسفي حول”تعزيز جاذبية الجهة بين تحديات تفعيل الاختصاصات ورهانات الالتقائية بين اللامركزية واللاتمركز”. وهي ندوة تحضيرية استعداد للملتقى البرلماني السادس للجهات، المزمع تنظيمه في الفصل الأخير من السنة الجارية.
وأكد المجلس حضوره الانفتاحي والتواصلي مع المواطنين عبر مشاركته في فعاليات الدورة الثلاثين للمعرض الدولي للنشر والكتاب.
وإيمانا ووعيا منه بدور الصحافة والإعلام في تنوير الرأي العام، وتسليط الضوء على أشغال وعمل مجلس المستشارين كما بالنسبة لمجلس النواب، أشرف السيد محمد ولد الرشيد ولأول مرة إلى جانب السيد رئيس مجلس النواب السيد راشيد الطالبي العلمي على حفل تسليم جائزة الأبحاث والدراسات في المجال البرلماني، وجائزة الصحافة البرلمانية برسم سنة 2025.
الدبلوماسية البرلمانية
وبخصوص الدبلوماسية البرلمانية، واصل المجلس تقوية التعاون البرلماني الثنائي والمتعدد الأطراف على مستوى مختلف المناطق الجيوسياسية بهدف الدفاع، ضمن منظومة الدبلوماسية الوطنية، عن القضايا الاستراتيجية والحيوية للمملكة المغربية، وعلى رأسها القضية الوطنية.
ومن بين تلك اللقاءات البرلمانية، النسخة الأولى للمنتدى البرلماني للتعاون الاقتصادي بين المملكة المغربية وبرلمان المجموعة الاقتصادية والنقدية لوسط إفريقيا (سيماك)، الذي انعقد، تحت الرعاية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده، بمدينة العيون، بشراكة مع الاتحاد العام لمقاولات المغرب.
إضافة إلى ذلك نظم مجلس المستشارين النسخة الثالثة لمنتدى الحوار البرلماني جنوب-جنوب، تحت الرعاية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده، بشراكة مع رابطة مجالس الشيوخ والشورى والمجالس المماثلة في إفريقيا والعالم العربي، تحت شعار: “الحوارات البين إقليمية والقارية بدول الجنوب: رافعة أساسية لمجابهة التحديات الجديدة للتعاون الدولي وتحقيق السلم والأمن والاستقرار والتنمية المشتركة”.
واحتضن مجلس المستشارين أيضا، اجتماع منتدى بلدان إفريقيا وأمريكا اللاتينية والكراييب (أفرولاك)، سعيا لتوطيد جسور التعاون البرلماني بين الاتحادات والجمعيات البرلمانية في إفريقيا ومنطقة أمريكا اللاتينية، وتمحور حول أهمية العمل الجماعي لمواجهة التحديات المتزايدة، لاسيما المرتبطة منها بالأمن الغذائي وتغير المناخ وتعزيز التنمية المستدامة.
ونظم المجلس تحت الرعاية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده، وبشراكة مع برلمان البحر الأبيض المتوسط، الدورة الثالثة من المنتدى الاقتصادي البرلماني للمنطقة الأورومتوسطية والخليج، تحت شعار: “تحديات اقتصادية وتجارية وطاقية غير مسبوقة – استجابة البرلمانات الإقليمية والقطاع الخاص”، كما تم تنظيم الدورة الثالثة والثمانين للجنة التنفيذية للاتحاد البرلماني الإفريقي من قبل البرلمان المغربي بغرفتيه مجلس المستشارين ومجلس النواب.
وشارك وفد عن مجلس المستشارين، في أشغال الدورة السادسة عشرة للجمعية البرلمانية الأورو-لاتينية بالعاصمة ليما، وفي أشغال كل من المنتدى الدولي حول مستقبل البحر الأبيض المتوسط، المنظم من قبل الجمعية البرلمانية للاتحاد من أجل المتوسط بمدينة غرناطة، واجتماع اللجنة السياسية التابعة للجمعية البرلمانية للفرنكوفونية الذي استضافته الجمعية الوطنية بجمهورية السنغال، وفعاليات المنتدى الجهوي حول الهجرة، المنظم من قبل برلمان أمريكا الوسطى بالعاصمة سانتو دومنغو، تحت عنوان “تحديات نظام الاندماج وتفاقم أزمات الهجرة: نموذج السياسة المغربية في تدبير القضايا المرتبطة بالهجرة”.
كما شارك مجلس المستشارين في الدورة التاسعة عشرة لمؤتمر اتحاد مجالس الدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي المنعقد بجمهورية إندونيسيا، وجمعية مجالس الشيوخ بإفريقيا المنظم بجمهورية الكنغو، ومنتدى التغيرات المناخية والانتقال العادل الذي نظمه برلمان أمريكا اللاتينية والكراييب بجمهورية بنما، والاجتماع العالمي الأول للشبكة الدولية للتشريعات المتعلقة بالمخدرات، الذي نظمه مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة بالعاصمة فيينا، والاجتماع الخامس من دور الانعقاد الأول من الفصل التشريعي الرابع للبرلمان العربي المنعقد بالقاهرة، والمرحلة الثالثة من دورة 2025 للجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا المنعقدة بستراسبورغ، والدورة السنوية ال32 للجمعية البرلمانية لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا ببورتو، البرتغال، والقمة التاسعة والجمعية العامة ال18 للجمعية البرلمانية للاتحاد من أجل المتوسط بملقا، والدورة ال50 للجمعية البرلمانية للفرونكوفونية بباريس.
زيارات هامة
وطبع مجلس المستشارين حصيلته بزيارات عمل لشخصيات سياسية فاعلة ومؤثرة، نذكر منها زيارة العمل التي قام بها رئيس مجلس الشيوخ بجمهورية نيجيريا الاتحادية للمملكة المغربية، وزيارة رئيس برلمان أمريكا الوسطى، وما تلاها من لقاءات داخل وخارج المغرب والتي تندرج ضمن الجهود الاستراتيجية التي تبذلها المملكة لتعزيز الاستقرار والتنمية والتضامن جنوب–جنوب.
منجزات قوية وسمت مهام وتحركات مجلس المستشارين خلال هذه الدورة التشريعية بامتياز وبفخر واعتزاز، وطبعت الحصيلة بعلامة فارقة في العمل البرلماني على مشوار تعزيز البناء الديمقراطي والمؤسساتي، وترسيخ مقومات المشروع التنموي لبلادنا، كما أراده وخطط له جلالة الملك محمد السادس نصره الله.