
هل أضاعت المقاولات الصغرى قطار الصفقات العمومية؟
منذ أكثر من عقد، أقرّ المشرع المغربي قانوناً يمنح المقاولات الصغرى والصغيرة جداً والمتوسطة نسبة 20% من الصفقات العمومية. كان الهدف المعلن حينها هو دعم هذا النسيج المقاولاتي الذي يشكل رافعة أساسية للتشغيل والإنتاج الوطني. لكن، وبعد مرور اثني عشر عاماً على صدور القانون، ما تزال المراسيم التطبيقية غائبة، تاركة المقاولات الصغرى في انتظار طويل يشبه التهميش الممنهج أكثر مما يعكس إرادة فعلية في الإصلاح.
قانون بلا روح
القانون الذي صودق عليه سنة 2013 ظل حبراً على ورق، إذ لم تُفعَّل آلياته التنفيذية. هذا الفراغ التشريعي سمح باستمرار هيمنة المقاولات الكبرى على الصفقات العمومية التي بلغت قيمتها، خلال سنة واحدة فقط، 340 مليار درهم. النتيجة: المقاولات الصغرى حرمت من حوالي 68 مليار درهم كان يمكن أن تغيّر ملامحها وتمنحها متنفساً للبقاء والمنافسة.
بين الخطاب والممارسة
يظهر بوضوح التناقض بين الخطاب السياسي الذي يرفع شعار دعم المقاولة الوطنية، وبين الممارسة التي تكرّس احتكار الصفقات لفائدة شبكات محدودة، غالباً ما ترتبط بمسؤولين أو مقربين من مراكز القرار. هذا الوضع يطرح سؤال الشفافية، ويضعف ثقة الفاعلين الاقتصاديين في المؤسسات، كما يغذي شعوراً متزايداً بعدم تكافؤ الفرص.
تكلفة سياسية واقتصادية
إن استمرار تعطيل المراسيم التطبيقية لا يضر فقط بالمقاولات الصغرى، بل يضر بمصداقية الدولة نفسها. فالقانون الذي لا يجد طريقه إلى التنفيذ يتحول إلى أداة لامتصاص الغضب أو لشراء الوقت، أكثر من كونه وسيلة لتغيير الواقع. أما الثمن فيُدفع من ثقة المقاولين الشباب في العمل المؤسساتي، ومن ضياع فرص استثمار وتشغيل يحتاجها الاقتصاد الوطني بشدة.
أي مستقبل؟
اليوم، ومع اقتراب إعداد قانون مالية 2026، يتكرر الحديث عن إدراج نسبة 20% من الصفقات العمومية، لكن بصيغة ظرفية مرتبطة بمشروع قانون مالية واحد، لا بصيغة دائمة ملزمة. هذا ما يجعل الخوف قائماً من أن يتحول الملف إلى ورقة سياسية تُستخدم عند الحاجة، بدل أن يكون إصلاحاً بنيوياً يعزز العدالة الاقتصادية.
ويبقى السؤال: هل ما زال بإمكان المقاولات الصغرى الانتظار؟ أم أن استمرار المماطلة سيقود إلى فقدان جيل آخر من المقاولين، وضياع الثقة في كل حديث عن دعم الاستثمار الوطني؟