
سيارة بعشر سنوات ثمنها خيالي.. ماذا يجري في سوق المستعمل بالمغرب؟
شهد سوق السيارات المستعملة في المغرب خلال السنوات الأخيرة، وبشكل أوضح إلى غاية شتنبر 2025، موجة غير مسبوقة من ارتفاع الأسعار جعلت المواطن البسيط في حيرة من أمره. فمن كان يلجأ إلى هذا السوق بديلاً اقتصادياً عن السيارات الجديدة أصبح يجد نفسه أمام أثمنة مرتفعة لا تتناسب مع وضعية السيارات المعروضة، إذ إن سيارات تجاوز عمرها خمسة عشر سنة تعرض بمبالغ قد تصل إلى خمسين أو سبعين ألف درهم، وهو ما يناقض منطق المستعمل الذي يفترض فيه أن يكون في متناول الفئات المتوسطة.
الأسباب التي دفعت نحو هذا الغلاء متعددة ومتشابكة. فمن جهة، ساهم الطلب الكبير في رفع الأسعار بشكل متواصل، خصوصاً بعدما عجز الكثيرون عن اقتناء سيارات جديدة بسبب ارتفاع تكاليفها في السوق المحلي والعالمي. ومع ازدياد الإقبال على المستعمل، برزت ندرة في المعروض جعلت كل سيارة متاحة تصبح موضوع منافسة بين المشترين، ما أدى إلى دفع الأسعار إلى مستويات غير مسبوقة.
إلى جانب ذلك، يشير خبراء الاقتصاد ومهنيون إلى أن شركات السيارات الكبرى لعبت دوراً في هذا الغلاء، بعدما بدأت تتجه بقوة نحو سوق المستعمل وتطرح عروضاً تجذب الزبناء بضمانات وخدمات إضافية، لكنها في المقابل تفرض أسعاراً مرتفعة تضطر باقي الفاعلين إلى مجاراتها. هذا الوضع فتح المجال أيضاً أمام الوسطاء والسماسرة المعروفين محلياً بـ”الشناقة”، الذين استغلوا غياب الضبط والرقابة ليحققوا أرباحاً مضاعفة، ما حول السوق إلى فضاء للفوضى والمضاربة أكثر منه مجالاً لتداول عادل.
المستهلك المغربي يجد نفسه كذلك أمام أزمة ثقة، إذ إن الكثير من السيارات المعروضة لا تكشف حقيقتها الكاملة. تلاعب في عدادات الكيلومترات، إخفاء لتاريخ الحوادث، وغياب سجل تقني شفاف كلها عوامل تجعل عملية الشراء مغامرة محفوفة بالمخاطر. ومع غياب إطار قانوني صارم ينظم هذا القطاع، تصبح الأسعار وحدها الحقيقة الواضحة بينما كل ما يتعلق بالجودة والحالة يظل خاضعاً للتقديرات الشخصية والبازارات.
أمام هذه الوضعية، ترتفع الأصوات المطالبة بتنظيم السوق بشكل عاجل، من خلال إلزامية الفحص التقني المفصل، وإقرار عقود بيع موثقة تكفل للمشتري حقوقه، إلى جانب مراقبة الوسطاء ومحاربة المضاربة. فبدون تدخل فعال ستظل أسعار السيارات المستعملة في المغرب مرشحة لمزيد من الارتفاع، وسيظل المواطن محاصراً بين خيارين أحلاهما مر: شراء سيارة مستعملة بثمن مرتفع قد لا يعكس قيمتها الحقيقية، أو التخلي عن حلم امتلاك وسيلة نقل شخصية في ظل ظروف اقتصادية ضاغطة.