تأملات

من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين

عبد الرحمان سورسي

إن الحمد لله ؛ نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، من يهده اللهُ فلا مضلَّ له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا اللهُ وحده لا شريك له . وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله ، وصفيه وخليله ، وأمينه على وحيه ، ومبلِّغ الناس شرعه ، ما ترك خيرًا إلا دل أمته عليه ، ولا شرًا إلا حذَّرها منه ؛ فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه أجمعين .
أما بعد أيها الأخ المؤمن،
أيتها الأخت المومنة، إن أشرف الفقه وأعظم المعارف، المعرفة بالرب العظيم وبأسمائه الحسنى وصفاته العليا وحُسن التفقه في هذا الباب الجليل العظيم ، وهو الفقه الأكبر ، وهو يدخل دخولًا أوليا في قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ)) . ولما كان هذا الفقه بهذه المكانة العلية والمنزلة الرفيعة .
فإن هناك آياتٌ في القرآن أُخلصت لبيان أوصاف الرب وأسمائه جل في علاه ؛ ﴿ هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ (22) هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ (23)

وكلما عظمت عناية العبد بهذا الفقه العظيم والمعرفة الجليلة بأسماء الرب الحسنى وصفاته العليا زاد إقبالًا على الله ومحبةً له جل في علاه وإقبالًا على طاعته سبحانه وتعظيمًا له جل وعلا وبُعدًا عما يسخطه سبحانه وتعالى . وكلما كان العبد بالله أعرف كان لعبادته أطلب وعن معصيته أبعد ومنه جل وعلا أقرب، وكان الله جل وعلا أحب إليه من كل شيء، وكان قلبه في شوق إلى لقاء الله جل في علاه ومحبةٍ لرؤيته سبحانه، ومن أحب لقاء اللهُ أحب الله لقاءه .

عباد الله : إن مما ينبغي أن يُعلم في هذا المقام أن أسماء الله الحسنى وصفاته العليا لكلٍّ منها عبودية تليق بها وهي من موجبات الإيمان بأسماء الله وصفاته جل في علاه .
وإذا عرفت ربك بأنه سبحانه البَرُّ الرحيم الجواد الكريم المحسن المتفضل أوجبت لك هذه المعرفة افتقارًا إلى الله وحسن الالتجاء إليه في طلب الرزق وتحقيق جميع المصالح الدينية والدنيوية.
وإليكم معاني ما تيسر من أسماء الله الحسنى. البَرّ: العطوف على خلقه الرفيق بهم؛ فلا يؤاخذهم بجميع ذنوبهم، ويعفو عن كثير منها؛ إذ أنّه يريد بهم اليسر ولا يريد بهم العسر، وهو المحسن المُتفضّل بكرمه وخيره ورزقه عليهم، كما أنّه يُجازي بالحسنة عشر أمثالها، وبالسيئة سيئة مثلها؛ فهو برّ بالمُحسن فيُضاعف حسناته، وبرّ بالمسيء فيصفح عنه، وإحسان الله -تعالى- وبرّه عام لجميع خلقه في الدنيا، ولا يكون في الآخرة إلا لِمن أنعم عليه بدخول الجنّة، قال -تعالى-: (إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ).[٨٨][٨٩] الودود: المُحبّ لخلقه بالثناء عليهم والإحسان إليهم؛ فحبّه لهم يكون بما يدرّه عليهم من النعم والخيرات، أمّا العبد فيتودّد إلى ربه بامتثال أوامره واجتناب نواهيه، والرضى الكامل بقضاء الله -تعالى- وقدره، كما أنّ من التودّد لله -تعالى- حبّ القرآن الكريم وسنّة رسول الله -صلى الله عليه وسلّم- والعمل بهما والدعوة إليهما، قال -تعالى-: (وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ).[٩٠][٩١] المُقسِط: العادل، وقد ورد في القرآن الكريم بالإشارة إليه فلم يأت اسماً صريحاً أو فعلاً، قال -تعالى-: (شَهِدَ اللَّـهُ أَنَّهُ لَا إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ).[٩٢][٩٣] الرفيق: الله الذي يُعامل خلقه باللين، ويشرّع أحكامه بالتدريج، وعلى وجه السعة واليسر، وكلّ ذلك حسب حكمته وما يناسب عباده؛ فهو رفيقٌ في خلقه وتشريعاته، قال رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (إنَّ اللهَ رفيقٌ يُحِبُّ الرِّفقَ).[٩٤][٩٥] الجواد: الله الذي عمّ عطاؤه جميع خلقه؛ فأسبغ عليهم نعمه وفضله وكرمه، وقد خصّ عباده المؤمنين بأنواعٍ من الجود في الدنيا والآخرة، قال رسول الله-صلّى الله عليه وسلّم-: (إنَّ اللهَ تعالى جَوَادٌ يحبُّ الجُودَ).[٩٦][٩٥] المُحسِن: الله الذي يتفضّل على خلقه بالنعم الكثيرة التي لا حصر لها، وهو الذي أحسن كل شيء خَلَقَه؛ فقد أحسن الإيجاد والإمداد والهداية، قال رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: ( إنَّ اللهَ محسنٌ يُحبُّ الإحسانَ).[٩٧][٩٥] السّتّير: الله الذي يستر على عباده فلا يفضحهم، ويحبّ منهم أن يستروا على أنفسهم، وأن يجتنبوا ما يشينهم، قال رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (إنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ حَيِيٌّ سَتِيرٌ).[٩٨][٩٥] الدّيّان: الله الذي يحكم بين الخلق؛ فهو الذي يُقاضيهم ويُجازيهم بأعمالهم وعليها، قال رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (فينادِي بصوتٍ يسمعُه من بَعُدَ كما يسمعُه من قَرُبَ أنَا الملِكُ أنَا الدَّيَّانُ)
اللهم آت نفوسنا تقواها ، وزكها أنت خير من زكاها ، أنت وليها ومولاها ، اللهم إنا نسألك حبك وحب ومن يحبك والعمل الذي يقرب إلى حبك يا ذا الجلال والإكرام ،وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

11 − اثنان =

زر الذهاب إلى الأعلى
MCG24

مجانى
عرض