
تأملات
مشاهد انتخابية: ماسح الأحذية والمرشح
صباح يومه الجمعة بإحدى المقاهي بمدينة مغربية عريقة في التاريخ والحضارة، طلبت قهوتي الصباحية. حضر النادل مبتسما و تجاذبنا أطراف الحديث حول الانتخابات وسير عملية الحملات الانتخابية، إلا أنه لم يكن عابئا سوى بحملات السلطات التي تجوب كل ليلة للتأكد من الإغلاق.
توجه النادل نحو زبون آخر وحل بالمكان ماسح الأحذية، كانت خطواته متعثرة كمن يجر وراءه أحمالا ثقيلة. نظراته كانت تستجدي زبائن المقهى لمسح أحذيتهم بغية دراهم معدودات. خلعت حذائي وناولته إياه ورحت أتصفح الأخبار الصباحية على هاتفي.
ناداه أحد الزبائن وفي تواضع مثير للإعجاب خلع حذائه وسلمه إياه مستسمحا وطالبا المعذرة، “حاشاك أسيدي”.
التفت إليه وأعجبت بسلوكه الحضاري والراقي.
بعد هنيهة عاد ماسح الأحذية وقدم الحذاء لصاحبه.
سأله الأخير إن كان مسجلا في اللوائح الإنتخابية، فأجاب الرجل بنعم. ليشرع صديقنا في التوسل إليه بالتصويت عليه باعتباره مرشح الحي وبأن الخير كله سيأتي معه إن تحقق أمله في الفوز بمقعد يوم 8 شتنبر القادم. وطلب منه أن يجمع له بعض الأصوات من عائلته.
استغربت لطريقة المرشح في جذب الأصوات. لم يكن لديه فريق يساعده في الحملة الإنتخابية ولا سيارات تجوب الأزقة وتلقي الأوراق في الشوارع والطرقات. فقط قهوة سوداء وسيجارة وطاولة في مقهى.
بدا الإحراج على ماسح الأحذية. المسكين أجابه” إن شاء الله يكون خير”
هنا “انقض عليه” المرشح وطلب منه أن لا يخونه وأن اليوم يوم جمعة وأنه ولد ناس وسوف لن ينسى جميل الرجل ولن يندم بتصويته عليه.
سلمه ورقة عليها إسمه وصورته وذكره بالوعد الذي قطعه على نفسه وبأن عليه أن لا يخلف الوعد وأن عاقبة من فعل ذلك “خايبة”.
ملامح الحيرة والاستغراب كانت بادية على ماسح الأحذية. المسكين خرج ليبحث عن رزقه اليومي، فإذا به يجد نفسه وسط دوامة الحملة الإنتخابية رغم أنفه.
شرع المرشح في البحث عن النقود، أخرج بعض الدراهم وسلمها له مخبرا إياه أنه من أبناء الشعب المكافحين، ولما همَّ ماسح الأحذية بالمغادرة، باغثه المرشح بالتوسل من جديد “عافاك الله يرحم الوالدين، أنا معول عليك”.
وأسرع المرشح نحو سيارته القديمة التي تعود لسنوات الثمانينات من القرن الماضي، ليضفي على خطابه مصداقية ويثبت أنه “ولد الشعب” وليؤكد لماسح الأحذية أنه يستحق صوت الرجل و أصوات عائلته ومعارفه.
ما لم ينتبه له المرشح أن ماسح الأحذية المعني “باللقطة” لم يكثرث بالمشهد التمثيلي السيئ الإخراج، وراح كلاهما يبحثان عن زبائن.