تأملات

مِن صِفَاتِ عِباَدِ الرًَحْمَن .. عبد الرحمن السورسي. الدًَرْسُ الثًَالِثُ

الدًَرْسُ الثًَالِثُ.
مِن صِفَاتِ عِباَدِ الرًَحْمَن
(وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا)

الحمد لله رب العالمين، اللهم لك الحمد على نعمة الإيمان والاسلام اللهم إياك نعبد ولك نصلى ونسجد وإليك نسعى ونحفد، نرجو رحمتك ونخشى عذابك، إن عذابك بالكافرين ملحق، اللهم إنا نستعينك ونستغفرك، ونثنى عليك الخير كله، ولا نكفرك ونؤمن بك، ونخضع لك ونخلع من يكفرك،
وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أمًا بعد، فحديثنا دائما موصول عن صفات عباد الرحمن ، ومع قوله تعالى :
(وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا )

فانظروا أيها الإخوة والأخوات إلى حال عباد الرحمن مع ربهم، إذا خيّم الليل وأرخى سدوله، إذا أوى الناس إلى فراشهم، كان عباد الرحمن مع ربهم،
( يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيًَاماً )
فبينما كثير من الناس في غفلاتهم نائمون ، وفي سهراتهم ماجنون، فهناك عباد يبيتون لربهم سجدًا وقيامًا، إنهم يضعون الجباه التي لم تنحنِ لمخلوق، يضعونها بين يدي الله جل وعلا، راكعة ساجدة خاشعة خائفة طائعة، قال تعالى:
(إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ )
[السجدة: 15].
وهم قيام يتلون آيات الله، ويسألونه الجنة، ويستعيذون به من النار.
إنهم يفعلون ذلك ليس طلبًا لمرضاة أحد، ولا ابتغاء محمدة أو شهرة، وإنما يبيتون لربهم سجّدًا وقيامًا يبتغون وجهه، يرجون رحمته ويخافون عذابه،
وصدق الله القائل عنهم:
( أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاء اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ ) [الزمر: 9].
أيها الإخوة والأخوات: إن قيام الليل هو دأب الصالحين، وتجارة المؤمنين، وعمل الفائزين،
ففي الليل يخلو المؤمنون بربهم، ويتوجهون إلى خالقهم وبارئهم، فيشكون إليه أحوالهم، ويسألونه من فضله، فنفوسهم قائمة بين يدي خالقها، عاكفة على مناجاة بارئها، تتنسم من تلك النفحات، وتقتبس من أنوار تلك القربات، وترغب وتتضرع إلى عظيم العطايا والهبات.
وقيام الليل مِنْ أَحَبِّ النَّوَافِلِ إِلَى اللهِ تَعَالَى، وَهُوَ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْفَرِيضَةِ، فَعَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
“عَلَيْكُمْ بِقِيَامِ اللَّيْلِ فَإِنَّهُ دَأْبُ الصَّالِحِينَ قَبْلَكُمْ، وَقُرْبَةٌ إِلَى اللهِ -تَعَالَى-، وَمَنْهَاةٌ عَنِ الإِثْمِ، وَتَكْفِيرٌ لِلسَّيِّئَاتِ، وَمَطْرَدَةٌ لِلدَّاءِ عَنِ الْجَسَدِ” (رَوَاهُ أَحْمَدُ وَصَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ).

وإِنَّ الْبَيْتَ الْمُوَفَّقَ هُوَ الذِي يَعْتَادُ أَهْلُهُ عَلَى الْقِيَامِ وَيَتَعَاوَنُونَ عَلَيْه، فَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
“مَنِ اسْتَيْقَظَ مِنَ اللَّيْلِ، وَأَيْقَظَ امْرَأَتَهُ فَصَلَيَّا رَكْعَتَيْنِ جِمِيعاً كُتِبَا مِنَ الذَّاكِرِينَ اللهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ” (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَصَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ).
وَإِنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَدْ ضَرَبَ أَرْوَعَ الأَمْثِلَةِ فِي حُسْنِ الْقِيَامِ وَطُولِه، مَعَ أَنَّهُ قَدْ غَفَرَ اللهُ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَما تَأَخَّرَ.
فَعَنْ عَطَاءٍ قَالَ: دَخَلْتُ أَنَا وَعُبَيْدُ بْنُ عُمَيْرٍ عَلَى عَائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- فقَالَ لَهَا: أَخْبِرِينَا بِأَعْجَبِ شَيْءٍ رَأَيْتِهِ مِنْ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-!.

قال: فَسَكَتَتْ ثُمَّ قَالَتْ: لَمَّا كَانَ لَيْلَةٌ مِنَ اللَّيَالِي قَالَ: “يَا عَائِشَةُ ذَرِينِي أَتَعَبَّدُ اللَّيْلَةَ لِرَبِّي” قُلْتُ: وَاللهِ إِنِّي لَأُحِبُّ قُرْبَكَ وَأُحِبُّ مَا سَرَّكَ قَالَتْ: فَقَامَ فَتَطَهَّرَ ثُمَّ قَامَ يُصَلِّي، قَالَتْ: فَلَمْ يَزَلْ يَبْكِي حَتَّى بَلَّ حِجْرَه، قَالَتْ: ثُمَّ بَكَى فَلَمْ يَزَلْ يَبْكِي حَتَّى بَلَّ لِحْيَتَهُ، قَالَتْ: ثُمَّ بَكَى فَلَمْ يَزَلْ يَبْكِي حَتَّى بَلَّ الْأَرْضَ، فَجَاءَ بِلَالٌ يُؤْذِنُهُ بِالصَّلَاةِ فَلَمَّا رَآهُ يَبْكِي قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ لِمَ تَبْكِ وَقَدْ غَفَرَ اللهُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ وَمَا تَأَخَّرَ ؟ قَالَ: “أَفَلَا أَكُونُ عَبْدًا شَكُورًا؟
معاشر السادة والسيدات:
إن عباد الرحمن ، هم الذين تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفًا وطمعًا،

فقد روى الإمام أحمد عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ:
«عَجِبَ رَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ مِنْ رَجُلَيْنِ
رَجُلٍ ثَارَ عَنْ وِطَائِهِ وَلِحَافِهِ مِنْ بَيْنِ أَهْلِهِ وَحَيِّهِ إِلَى صَلاَتِهِ فَيَقُولُ رَبُّنَا، أَيَا مَلاَئِكَتِي انْظُرُوا إِلَى عَبْدِى ثَارَ مِنْ فِرَاشِهِ وَوِطَائِهِ وَمِنْ بَيْنِ حَيِّهِ وَأَهْلِهِ إِلَى صَلاَتِهِ رَغْبَةً فِيمَا عِنْدِي وَشَفَقَةً مِمَّا عِنْدِي.
وَرَجُلٍ غَزَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَانْهَزَمُوا فَعَلِمَ مَا عَلَيْهِ مِنَ الْفِرَارِ وَمَا لَهُ فِي الرُّجُوعِ فَرَجَعَ حَتَّى أُهَرِيقَ دَمُهُ رَغْبَةً فِيمَا عِنْدِي وَشَفَقَةً مِمَّا عِنْدِي فَيَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِمَلاَئِكَتِهِ انْظُرُوا إِلَى عَبْدِى رَجَعَ رَغْبَةً فِيمَا عِنْدِي وَرَهْبَةً مِمَّا عِنْدِي حَتَّى أُهَرِيقَ دَمُهُ ».
إنهم عباد الرحمن ( كَانُوا قَلِيلاً مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ) [الذاريات: 17].
مات أحد العلماء فقيل له: يا إمام، ما فعل الله بك؟
فقال: ذهبت تلك الإشارات، وطاحت العبارات، وضاعت العلوم، ولم ينفعنا إلا ركعات كنّا نركعها في السحر.
عبـاد الرحمن، تتجافَى جنوبهم عن الْمضاجع
كلهم ما بين خائف متهجد وطامع
تركـوا لذة الكـرى للعيـون الْهواجـع
واستهلّت عيونهم فائضات المدامع

نعم ، (وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِيَاماً)
فقد ذكر الله السجود لأنه أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، والدعاء في السجود من أسباب قبول الدعاء، لكن الدعاء في آخر الليل من أسباب قبول، لأن الله ينزل إلى السماء الدنيا نزولا يليق بجلاله، ففي الصحيحين (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ،
« يَتَنَزَّلُ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرُ فَيَقُولُ مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ ، مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ ، مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ » .

وختاما نسأل الله العلي العظيم أن يصدق فينا وفيكم قوله تعالى :
(وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِيَاماً).
ونسأله تعالى أن يهدينا إلى سواء السبيل، يأرحم الراحمين يارب العالمين.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه، وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين .

الدًَرْسُ الثًَالِثُ.
مِن صِفَاتِ عِباَدِ الرًَحْمَن
(وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا)

الحمد لله رب العالمين، اللهم لك الحمد على نعمة الإيمان والاسلام اللهم إياك نعبد ولك نصلى ونسجد وإليك نسعى ونحفد، نرجو رحمتك ونخشى عذابك، إن عذابك بالكافرين ملحق، اللهم إنا نستعينك ونستغفرك، ونثنى عليك الخير كله، ولا نكفرك ونؤمن بك، ونخضع لك ونخلع من يكفرك،
وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أمًا بعد، فحديثنا دائما موصول عن صفات عباد الرحمن ، ومع قوله تعالى :
(وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا )

فانظروا أيها الإخوة والأخوات إلى حال عباد الرحمن مع ربهم، إذا خيّم الليل وأرخى سدوله، إذا أوى الناس إلى فراشهم، كان عباد الرحمن مع ربهم،
( يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيًَاماً )
فبينما كثير من الناس في غفلاتهم نائمون ، وفي سهراتهم ماجنون، فهناك عباد يبيتون لربهم سجدًا وقيامًا، إنهم يضعون الجباه التي لم تنحنِ لمخلوق، يضعونها بين يدي الله جل وعلا، راكعة ساجدة خاشعة خائفة طائعة، قال تعالى:
(إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ )
[السجدة: 15].
وهم قيام يتلون آيات الله، ويسألونه الجنة، ويستعيذون به من النار.
إنهم يفعلون ذلك ليس طلبًا لمرضاة أحد، ولا ابتغاء محمدة أو شهرة، وإنما يبيتون لربهم سجّدًا وقيامًا يبتغون وجهه، يرجون رحمته ويخافون عذابه،
وصدق الله القائل عنهم:
( أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاء اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ ) [الزمر: 9].
أيها الإخوة والأخوات: إن قيام الليل هو دأب الصالحين، وتجارة المؤمنين، وعمل الفائزين،
ففي الليل يخلو المؤمنون بربهم، ويتوجهون إلى خالقهم وبارئهم، فيشكون إليه أحوالهم، ويسألونه من فضله، فنفوسهم قائمة بين يدي خالقها، عاكفة على مناجاة بارئها، تتنسم من تلك النفحات، وتقتبس من أنوار تلك القربات، وترغب وتتضرع إلى عظيم العطايا والهبات.
وقيام الليل مِنْ أَحَبِّ النَّوَافِلِ إِلَى اللهِ تَعَالَى، وَهُوَ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْفَرِيضَةِ، فَعَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
“عَلَيْكُمْ بِقِيَامِ اللَّيْلِ فَإِنَّهُ دَأْبُ الصَّالِحِينَ قَبْلَكُمْ، وَقُرْبَةٌ إِلَى اللهِ -تَعَالَى-، وَمَنْهَاةٌ عَنِ الإِثْمِ، وَتَكْفِيرٌ لِلسَّيِّئَاتِ، وَمَطْرَدَةٌ لِلدَّاءِ عَنِ الْجَسَدِ” (رَوَاهُ أَحْمَدُ وَصَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ).

وإِنَّ الْبَيْتَ الْمُوَفَّقَ هُوَ الذِي يَعْتَادُ أَهْلُهُ عَلَى الْقِيَامِ وَيَتَعَاوَنُونَ عَلَيْه، فَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
“مَنِ اسْتَيْقَظَ مِنَ اللَّيْلِ، وَأَيْقَظَ امْرَأَتَهُ فَصَلَيَّا رَكْعَتَيْنِ جِمِيعاً كُتِبَا مِنَ الذَّاكِرِينَ اللهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ” (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَصَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ).
وَإِنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَدْ ضَرَبَ أَرْوَعَ الأَمْثِلَةِ فِي حُسْنِ الْقِيَامِ وَطُولِه، مَعَ أَنَّهُ قَدْ غَفَرَ اللهُ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَما تَأَخَّرَ.
فَعَنْ عَطَاءٍ قَالَ: دَخَلْتُ أَنَا وَعُبَيْدُ بْنُ عُمَيْرٍ عَلَى عَائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- فقَالَ لَهَا: أَخْبِرِينَا بِأَعْجَبِ شَيْءٍ رَأَيْتِهِ مِنْ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-!.

قال: فَسَكَتَتْ ثُمَّ قَالَتْ: لَمَّا كَانَ لَيْلَةٌ مِنَ اللَّيَالِي قَالَ: “يَا عَائِشَةُ ذَرِينِي أَتَعَبَّدُ اللَّيْلَةَ لِرَبِّي” قُلْتُ: وَاللهِ إِنِّي لَأُحِبُّ قُرْبَكَ وَأُحِبُّ مَا سَرَّكَ قَالَتْ: فَقَامَ فَتَطَهَّرَ ثُمَّ قَامَ يُصَلِّي، قَالَتْ: فَلَمْ يَزَلْ يَبْكِي حَتَّى بَلَّ حِجْرَه، قَالَتْ: ثُمَّ بَكَى فَلَمْ يَزَلْ يَبْكِي حَتَّى بَلَّ لِحْيَتَهُ، قَالَتْ: ثُمَّ بَكَى فَلَمْ يَزَلْ يَبْكِي حَتَّى بَلَّ الْأَرْضَ، فَجَاءَ بِلَالٌ يُؤْذِنُهُ بِالصَّلَاةِ فَلَمَّا رَآهُ يَبْكِي قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ لِمَ تَبْكِ وَقَدْ غَفَرَ اللهُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ وَمَا تَأَخَّرَ ؟ قَالَ: “أَفَلَا أَكُونُ عَبْدًا شَكُورًا؟
معاشر السادة والسيدات:
إن عباد الرحمن ، هم الذين تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفًا وطمعًا،

فقد روى الإمام أحمد عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ:
«عَجِبَ رَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ مِنْ رَجُلَيْنِ
رَجُلٍ ثَارَ عَنْ وِطَائِهِ وَلِحَافِهِ مِنْ بَيْنِ أَهْلِهِ وَحَيِّهِ إِلَى صَلاَتِهِ فَيَقُولُ رَبُّنَا، أَيَا مَلاَئِكَتِي انْظُرُوا إِلَى عَبْدِى ثَارَ مِنْ فِرَاشِهِ وَوِطَائِهِ وَمِنْ بَيْنِ حَيِّهِ وَأَهْلِهِ إِلَى صَلاَتِهِ رَغْبَةً فِيمَا عِنْدِي وَشَفَقَةً مِمَّا عِنْدِي.
وَرَجُلٍ غَزَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَانْهَزَمُوا فَعَلِمَ مَا عَلَيْهِ مِنَ الْفِرَارِ وَمَا لَهُ فِي الرُّجُوعِ فَرَجَعَ حَتَّى أُهَرِيقَ دَمُهُ رَغْبَةً فِيمَا عِنْدِي وَشَفَقَةً مِمَّا عِنْدِي فَيَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِمَلاَئِكَتِهِ انْظُرُوا إِلَى عَبْدِى رَجَعَ رَغْبَةً فِيمَا عِنْدِي وَرَهْبَةً مِمَّا عِنْدِي حَتَّى أُهَرِيقَ دَمُهُ ».
إنهم عباد الرحمن ( كَانُوا قَلِيلاً مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ) [الذاريات: 17].
مات أحد العلماء فقيل له: يا إمام، ما فعل الله بك؟
فقال: ذهبت تلك الإشارات، وطاحت العبارات، وضاعت العلوم، ولم ينفعنا إلا ركعات كنّا نركعها في السحر.
عبـاد الرحمن، تتجافَى جنوبهم عن الْمضاجع
كلهم ما بين خائف متهجد وطامع
تركـوا لذة الكـرى للعيـون الْهواجـع
واستهلّت عيونهم فائضات المدامع

نعم ، (وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِيَاماً)
فقد ذكر الله السجود لأنه أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، والدعاء في السجود من أسباب قبول الدعاء، لكن الدعاء في آخر الليل من أسباب قبول، لأن الله ينزل إلى السماء الدنيا نزولا يليق بجلاله، ففي الصحيحين (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ،
« يَتَنَزَّلُ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرُ فَيَقُولُ مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ ، مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ ، مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ » .

وختاما نسأل الله العلي العظيم أن يصدق فينا وفيكم قوله تعالى :
(وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِيَاماً).
ونسأله تعالى أن يهدينا إلى سواء السبيل، يأرحم الراحمين يارب العالمين.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه، وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تسعة عشر − ثمانية =

زر الذهاب إلى الأعلى
MCG24

مجانى
عرض