
مجتمع
رمضان بالصويرة بين الأمس واليوم
الصويرة / حفيظ صادق
كثيرا ما يشدنا الشوق والحنين، لمهدنا بمدينة الصويرة، وهو ما لا يترك مجالا للشك في ارتباطنا وتشبتنا بالعادات الجميلة التي أمست من الماضي.
هي أجواء رمضان، ولياليه الطويلة من موعد الإفطار حتى وقت السحور.
لكل مدينة مغربية حكاية، لكنها تتغير مع مرور الأعوام.
ومن عاش طفولته بالصويرة، حتما سيلامس وجها آخر لهاته المدينة، يخالف زمنا ماضيا يطبع شهر رمضان بكثير من الخير والتآزر والإخاء.
قديما كانت معزوفات الغيطة الكلاسيكية والنفحات الصوفية بصوامع مسجد القصبة العتيق ومسجد بن يوسف بالحدادة، تُشنف مسامعنا، وسنذكر دائما “الغياط” المرحوم مولاي عمر، و”المعلم” عبد الكبير الضباشي.
هذان اللذان أخلصا لعزفهما مدى الحياة، كانا يطربان الأهالي كل يوم في شهر الصيام، باستثناء ليلة القدر.
حين تكتمل صلاة التراويح، ختامها يصحبه صوت بوق النفار المرحوم قدور جاهنبي، نفحات ونفخ جميل حفر عميقا في ذاكرتنا، بهذا الراحل، وزميله الشيشتي، اللذان يرددان وهما يجوبان كل الأمكنة عبر أزقة ودروب المدينة العتيقة ” الله مصلي على النبي اجاه النبي”، كما كانا يطرقان أبواب المنازل بالعصا إيذانا بموعد السحور.
فهل يتذكر أهالي ماضي تلك المدينة، هذا النداء: ” انوض اتا طيب اتا خبزك اتا فيقي اتا راجلك اتا “.

ثمة تقليد آخر، الطفل يحمل كل يوم في رمضان قبل أذان المغرب، قدرا مملوءا بالحريرة في اتجاه المسجد أو الجامع، لأن الفقيه ينتظر قدوم جل الاطفال بعد ان يؤدي صلاة المغرب، ليبدأ فطوره بجرعة من الحساء المغربي الأصيل “الحريرة”، ثم يحمل قدرا الى أسرته، ويبقى نصيبا لصغار طلاب “الجامع”.

أما من أجل التفكه واللهو واللعب، فقد كانت اللعبة المفضلة لدى الأطفال خلال شهر الفضيل، هي لعبة “السركوس” بين صلاة المغرب والعشاء.
ونهارا يشارك الشباب في حلقات علمية، أو ندوات، أو دوريات للرياضة، ككرة السلة وكرة القدم، والشطرنج.
الملاحظ أن السنوات الأخيرة عرفت تزايد في أعداد الإناث، في ارتياد المساجد لأداء صلاة القيام، أما في ما مضى من الزمن لا يمكن للمرأة أن تغادر البيت بعد أذان العصر، على قدم وساق لتحضير وجبة الفطور و وجبة العشاء، بعدد من الأكلات المفضلة عند ساكنة الصويرة في رمضان قديما ك”الحريرة مقيومة” ورغيف زيت الزيتون، والدشيشة باللبن.
لباسا، كان من التقاليد ارتداء الجلابة و”الجبادور” والسروال “القندريسي”، ثياب تقليدية خيطت ونُسجت بأيادي معلمين كثير منهم غادروا إلى أرض البقاء، ونذكر منهم:
“كاصماري العربي- سي علال الخياط – القاسح – البوط – عبد الله المجوط – المعلم ميلود كيح ..”
كان يا مكان.. رمضان الصويرة لوحة زيتية من الماضي.. نحييها النبش في ذاكراتنا عن المكان والزمن، في حاضر بعيد كل البعد عن براءة وروعة طفولة بسيطة.
