ثقافة

سؤال القرآن الكريم سؤال فهم لا سؤال “حفظ”….

الدكتور محمد التهامي الحراق

رغم كل التقوّلات القديمة والحديثة التي تنتحل اسم العلم بخصوص مصداقية متن القرآن الكريم وما قد يكون لحقه من الزيادة والنقصان، فإن نصه كما هو ثابت عقلا ووحيا حُفِظ من تحريف الكلم الذي أصاب الكتب المقدسة السابقة. إن السؤال الحقيق والخليق بالبحث حول القرآن الكريم هو سؤال الفهم لا سؤال الحفظ، وما ينبغي إضاءته في تاريخ القرآن الكريم هو تاريخ تلقيه؛ وألوان تصحيف الفهم التي لحقته؛ والتي اتخذت على الأقل مظهرين كبيرين: الأول هو هيمنة الثقافة السائدة عند التنزيل وتوجيهها لفهم القرآن الكريم؛ إذ بدل أن يتم استيعاب التنوير والتثوير اللذين جاء بهما القرآن الكريم من أجل تغيير رؤية العالم بدءا من تغيير الثقافة العربية خلال القرن السابع للميلاد بالجزيرة العربية، تمت، في أحايين كثيرة، “مخاتلة” ذينك التنوير والتثوير لإعادة سيطرة الأعراف والعادات والمسبقات والتقاليد والفهوم “الآبائية” الموروثة والثقافة السائدة من مدخل الفهم؛ كما هو شأن تغليب الفهم الذكوري مثلا، وتكريس أحادية الفهم الطائفي/ القبلي، والذهاب نحو إغلاق النص في أنماط تدين بشرية معينة، والانتقال من تقديس النص إلى تقديس فهومه…إلخ.
المظهر الثاني من ألوان تصحيف الفهم تم من خلال إخضاع فهم القرآن الكريم ليس فقط للمسبقات الثقافية، بل كذلك للمسبقات الكِتابية، وخصوصا منها ما يسمى بالإسرائيليات؛ هكذا مثلا قُرِئت مسألة الخلق ومكانة المرأة بخلفية توراتية، وظهرت مفاهيم للتعامل مع القرآن الكريم ذات أصول توراتية وإنجيلية كما هو شأن فهم عدد من القصص القرآني…إلخ.
لذا كل تحرير للنص يقتضي تحريره من الفهوم الثقافية التي تستوعب القرآن الكريم في الثقافة الحاضنة بدل أن تنظر في منطقه لتنوير وتثوير هذه الثقافة؛ مثلما يلزم تحرير القرآن الكريم من القراءات التي تفهمه بالمفاهيم الكتابية، وتطمس خصوصيات التصديق والهيمنة التي تُفَرّد القرآن الكريم، وتؤهله لتحرير الإنسان بشكل متجدد ودائم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

9 − واحد =

زر الذهاب إلى الأعلى
MCG24

مجانى
عرض