
صدى رجالات أسفي في التاريخ – الحلقة 31
إعداد: الدكتور منير البصكري الفيلالي / أسفي
الفقيه الإمام السيد محمد بن عبد الخالق :
لعلنا من خلال ما سبق ذكره عن رجالات أسفي ، ندرك أن هذه المدينة قد أنجبت نبغاء وموهوبين في مختلف المجالات ، وأخرجت قضاة ومفتين وعلماء وأدباء وشعراء وكتابا وعرف فيها صالحون وشيوخ تصوف ونساك ، حيث أعطت أسفي للوطن رجالات خدموه ، وعباقرة ساهموا في بنائه والذود عنه وصيانة دينه والوقوف سدا منيعا ضد كل انحراف وفساد وضمن هؤلاء ، الإمام الفقيه السيد محمد بن عبد الخالق الضرير ، إمام المسجد الأعظم لمدة تنيف عن أكثر من أربعين سنة .عرفت هذا الرجل منذ أن وعيت هذه الحياة وأنا في السنة الخامسة من عمري ، حيث كنت أرافق والدي رحمه الله إلى الجامع الكبير للصلاة وقراءة الحزب الراتب . لقد كان للرجل حس خطير وكأنه يبصر كل ما يجري ويدور أمامه .. سبحان الله . كنا نتحلق به بعد قراءة الحزب فيسأل كل الأطفال من حوله ، وكم يحفظون من القرآن والحديث الشريف .. إلى جانب حثه لنا على الجدية والمثابرة ، فيدعوا لنا بالتوفيق والنجاح في كل ما نحن مقبلون عليه .
وحين كان الحديث يحلو معه ـ رحمه الله ـ كنا نسأله عن سيرة حياته لتكون لنا نبراسا نستهدي بها في مسارنا .. فكان يحكي لنا نبدا من ذلك ما دمنا نلح في الطلب .. فقد
الحقه والده بكتاتيب المقرئين الأفاضل الذين تردد عليهم ، إذ كان والده شغوفا بتحفيظ أبنائه لكتاب الله . وبعد حفظه للقرآن الكريم ولبعض متون المواد الإسلامية والعربية ، صار يتلقى الدروس العلمية على يد بعض علماء المدينة ، كالفقيه محمد بن الحاج الإدريسي الحسني المعروف بمولاي الحاج ، والفقيه أحمد بن الحسن المطاعي ، والفقيه محمد بن أحمد التريكي وغيرهم من كبار علماء المدينة حينئذ .. وهذا أهله للاضطلاع بالإمامة بالمسجد الأعظم .
لم يكن يبخل ـ رحمه الله ـ على سائليه من عامة الناس وخاصتهم فيما يشغل بالهم من أمور دينهم ودنياهم ، فكانت إجاباته تنم عن معرفة رصينة ، وتمسك دقيق بقواعد المذهب المالكي ، مع التيسير في بسط أقرب الآراء الفقهية لكل من قصده بالسؤال عن أمور دينه . إلى جانب ذلك ، كان السيد بن عبد الخالق يتمتع بأخلاق فاضلة ومعاملة نبيلة أهلته ليكون إماما واعظا ومرشدا ومفقها في الدين :
قلوب العارفين لها عيون ترى ما لا يراه الناظرونا
إذ على الرغم من كونه ضريرا ، فقد كان يتمتع بحس مرهف جدا ، يدرك الكثير مما لا يدركه المبصرون ، وتلك نعمة أنعم بها الخالق سبحانه على هذا الرجل . وهذه الصفات كلها إنما تمثل بعدا واحدا ، وهو البعد التربوي الإصلاحي بالنسبة لرجل نذر حياته لإمامة المصلين ، إذ لم يتوان قط في أداء هذه المهمة والقيام بها على أحسن وجه . فرحم الله السيد محمد بن عبد الخالق ، فقد كان لنا ـ من خلال ترددنا على المسجد الأعظم ـ خير قدوة في الانضباط والسلوك الحسن وصفاء السريرة ونبل الأخلاق ..ونردد مع الشاعر قوله :
فهنيئا له غدا برصيــــــــد يعظم الأجر عنده والجزاء .