ثقافة

صدى رجالات أسفي في التاريخ – الحلقة 59

إعداد: الدكتور منير البصكري الفيلالي / أسفي

السيد جمال الدين البوعمراني :
رجل من نوع استثنائي من رجالات أسفي ، وبقدرات خاصة وكفاءة مميزة لخدمة بلدته ووطنه ، واجه السي جمال الدين البوعمراني غير قليل من التحديات الكبيرة والمتداخلة في حياته ، مما تطلب منه قدرات خارقة لمواجهتها .
ولد السي البوعمراني بأسفي بتاريخ 03 غشت 1937 من أسرة عريقة أنجبت العلماء وضمنهم والد السيد جمال الدين البوعمراني الحاصل على عدد من الإجازات توج بها مساره العلمي بجامعة القرويين بفاس ، إضافة إلى أن مكتبته بأسفي تعد مركز إشعاع ومنتدى فكري وسياسي ، بما كانت تجلبه من المشرق والجزائر من كتب ومجلات وجرائد وبما كانت تشهد جنباتها من قراءات ومناقشات لأخبار وقضايا فكرية وسياسية .
فلا غرو أن يكون السيد جمال الدين البوعمراني امتدادا طبيعيا لأسرة حملت راية العلم والمعرفة . فقد التحق بالكتاب القرآني وهو ابن أربع سنين ، حيث تتلمذ على يد الفقيه العلامة والوطني الكبير سيدي محمد الهسكوري رحمه الله بدرب ” بوجرتيلة ” بحي المدينة العتيقة بأسفي التي كانت تعج بغير قليل من الكتاتيب القرآنية التي ساهمت في بناء وتشكيل غير قليل من أبناء مدينة أسفي وكذا الدور الرئيسي الذي تقوم به هذه الكتاتيب القرآنية في بناء شخصية الفرد بصفتها الحاضنة التربوية الأولى لأبناء المجتمع سواء في أسفي أو في غيرها ..إلى جانب ما تتركه من جوانب إيجابية من قبيل حفظ القرآن الكريم وتعظيم الدين وسهولة النطق بالحروف العربية ، إضافة إلى حفظ الهوية الثقافية .   وبما أن والده كان يعد بحق أبا للحركة السلفية والوطنية بحاضرة أسفي ومن كبار رجالاتها ، فقد اعتقلته السلطات الاستعمارية وتقرر نفيه عن أسفي إلى الدار البيضاء سنة 1942 . بعدها بسنة ، سيلتحق السي جمال الدين بمدرسة جسوس بالرباط ، وهي معلمة تعليمية ثقافية ووطنية ، أسسها الوطني الكبير السيد أحمد بلافريج بعد الحوادث الدامية التي أعقبت صدور الظهير البربري سنة 1930 ، حيث سيتم افتتاحها رسميا في بداية 1932 .
بعد ذلك ، عاد مترجمنا إلى الدار البيضاء حيث سيتم تسجيله بمدرسة الفلاح بدرب ” الكرلوطي ” ، فكان من ضمن أساتذته ، الوطني السيد الشافي والمرحوم علي يعتة.. وفي سنة 1945 ، دشنت مدرسة سمو الأمير مولاي الحسن في شارع بونابارط ( مولاي ادريس الأول حاليا ) وبها تابع دراسته الابتدائية بالقسم المتوسط الأول .. لينتقل لاحقا إلى مدرسة محمد الخامس التي أسسها حزب الاستقلال بدرب الكرلوطي ، لكنه لم يكن مرتاحا لأجواء الدراسة فيها ، إضافة إلى أسباب أخرى حالت دون تأقلمه مع أجواء هذه المدرسة الجديدة ، منها : إصابة أخيه ( صلاح الدين ) بمرض عصابي أفقده إمكانية المشي ثم الحياة رحمه الله .. إضافة إلى بعد مسافة المدرسة الجديدة ، حيث كانت تبعد عن منزل أسرته بحوالي ثلاثة كيلوميترات .
وأثناء زيارة عمه السيد عبد الله البوعمراني لبيت الأسرة ، لاحظ الحالة النفسية التي كان عليها ابن أخيه ، فاقترح أن يأخذه معه إلى أسفي لمتابعة الدراسة . وفي أسفي وجد ضالته حيث اللقاء مع إخوان الطفولة عبد الله وعبد المجيد بنهيمة أبناء بابا الطيبي خال جدته . لم يتمكن السي جمال الدين من الحصول على الشهادة الابتدائية بأسفي ، فقفل راجعا إلى الرباط ، حيث سجل من جديد بمدرسة محمد جسوس ، ومرة أخرى يخفق في نيل الشهادة الابتدائية ، فحزن لذلك .. لكن الأقدار تبدد خيبة أمله بوجود السيد الحاج أحمد بلافريج الذي هون عليه أمر هذه الشهادة ، وعليه أن يجتاز امتحانا جديدا للجوء إلى الثانوي  (الدخول إلى السادسة ) . وفعلا ، بعد أن تقدم لاجتياز هذا الامتحان ب . الليسي كورو
( ثانوية الحسن الثاني بالرباط حاليا ) كان من بين الناجحين . وفي أكتوبر 1948 سيلتحق بالقسم السادس بثانوية ليوطي بالدار البيضاء ، حيث سيقضي ثلاث سنوات .. وبعد الحصول على شهادة الدروس الثانوية ، سينتقل إلى القسم الثاني ( سنة قبل الباكالوريا الأولى ) ليتابع دراسته فيما بعد بفرنسا حيث كان الوالد يقيم هناك بباريس كمكلف بفرع حزب الاستقلال ، ينسق بينه وبين الحاج أحمد بلافريج القاطن بجنيف والسيد الكبير الفاسي بمدريد والزعيم علال الفاسي بالقاهرة . وفي فرنسا ، تم تسجيله بقسم الباكالوريا الأولى بالثانوية المختلطة  (فرانسيسكارسي ) بمدينة دوردان على يد السيد أحمد الطيبي بنهيمة .
بعد ذلك ، سيلتحق بالمدرسة الوطنية للطيران المدني بمطار ” أورلي “بباريس . فكان الوحيد من بين سبعة تلاميذ مغاربة بهذه المؤسسة الذي حصل على الدبلوم .
يتبع …

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

13 + واحد =

زر الذهاب إلى الأعلى
MCG24

مجانى
عرض