تأملاتسلايدر

كيف أقضي العشر الأواخر من رمضان؟

عبد الرحمان سورسي

الحمد لله الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ، الحمد لله الذي جعل رمضان موسما لفعل القربات والصالحات ونيل الدرجات والحسنات، وأشهد الا اله الا الله وحده لا شريك له، جعل ختام رمضان ميدانا لجليل الطاعات وجميل القربات وباب لاستدراك الفائتات ، وأشهد ان محمدا عبده ورسوله خير من جّد وقام، وأزكى من صلى وصام، صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله الطاهرين وصحبه الطيبين ومن تبعهم بإحسان الى يوم الدين.

اما بعد:
فهاهي العشر الأواخر من رمضان قد أطلّت علينا إيذانا بختام شهر رمضان المبارك، تستحث همم المتقين وتشد من عزم العابدين للاقتداء بهدي سيد المرسلين، ليكونوا في سجل المقبولين وعداد المرحومين، كما تعظ المقصرين والمفرطين على استدراك تقصيرهم والتوبة من تفريطهم، لعلهم ينجون في ختام الشهر، ان يكونوا في سجل الأشقياء وعداد المحرومين، فهذه العشر، عباد الله، قد خصها ربنا جل وعلا بفضائل جمة وخصائص مشهودة ، وهذا من كرم الله تعالى وعظيم جوده وإحسانه أن جعل خير ليالي الشهر أواخرها ليزداد المحسنون ويستدرك المقصرون .
معاشر المومنين والمومنات،
ها نحن مرة أخرى نستورد بعض ما يمكن استيراده من كتب الحديث ومن مؤلفات مشايخنا وعلماءنا الأعلام ومن بين هذه الكتب التي غالبا ما فتئت أبدأ أختم به حصتي ألا وهو “كتاب الشفا بتعريف حقوق المصطفى” للقاضي عياض بن موسى بن عياض اليحصوبي.
وبفضل الله تعالى ومشيءته أسوق لكم موضوعا آخر بعنوان :
كيف أقضي العشر الأواخر من رمضان.
أيها الصائمون والصائمات
ألم يان للأذن أن تسمع؟
ألم يان للعين أن تدمع؟
ألم يان للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق؟
وذالك عند قولك أيها الصائم الكريم:
وداعًا يا شهر رمضان!
وداعًا يا شهر الخيرات والإحسان!
وداعًا يا ضيفنا الراحل!
مضى كثيرك ولم يبق بين أيدينا منك إلا أيام قلائل عشر تجاورنا اليوم، وهي إلى الرحيل أقرب من البقاء.
والله إن القلب ليحزن وإن العين لتدمع ولكن أملنا كبير في صيام السنة المقبلة إن شاء الله تعالى.
وفي هذا المعنى يقول ابن رجب في لطائفه عند الفراق:
“يا شهر رمضان تَرَفَّق، دموع المحبين تَدَفّق، قلوبهم من ألم الفراق تَشَقَّق، عسى وقفة للوداع تُطفِئ من نار الشوق ما أحرق، عسى ساعة توبة وإقلاع ترقع من الصيام ما تخرّق، عسى منقطع من ركب المقبولين يلحق، عسى أسير الأوزار يُطلق، عسى من استوجب النار يُعتق”.
فما أحرانا بتدبُّر قوله: وفعل يطفئ حرارة الوداع!!
أيها الشباب، قبل أن تُشيعوا ضيفكم الميمون عودوا إلى أنفسكم -حفظكم الله- وتأملوا ماذا قدّمتم بين يديه؟ وما هي الأسرار التي بينكم وبين ربكم في أيام شهركم وسيرحل بها رمضان؟
أخي الصاءم أختي الصاءمة، ما زال في الأمل فسحة، وفي الوقت بقيَّة، والعبرة بالخواتيم. وأنا وإياك نشهد هذه العشر المباركة، فهل يمكن أن تقبل -حفظك الله- إلى حديثٍ، أرعني سمعك، وجُدْ عليَّ بشيء من وقتك، فقد أحبك الله بان يسر لك سر السعادة التي تنتظرها في حياتك ، وذالك عند قوله تعالى: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر: 53]. دواء للمنكسرين من أمثال، لكن بشرطها الوحيد: التوبة الصادقة التي رأيت من آثارها أثر الدموع بين عينيك.
وعندي لك قول رسولك r: “لله أشد فرحًا بتوبة عبده حين يتوب إليه من أحدكم كان على راحلته بأرض فلاة، فانفلتت منه وعليها طعامه وشرابه، فأيس منها، فأتى شجرة فاضطجع في ظلها وقد أيس من راحلته، فبينما هو كذلك إذ هو بها قائمة عنده، فأخذ بخطامها ثم قال من شدة الفرح: اللهم أنت عبدي وأنا ربك! أخطأ من شدة الفرح”[1].
إذن لم يبق عليك -حفظك الله- إلا الإقبال على ما بقي من شهرك؛ إذ هذه الأيام هي الخاتمة، وهي سر الشهر وأفضل أيامه على الإطلاق، فهذا رسول اللهr تقول عنه عائشة رضي الله عنها: “كان النبي إذا دخل العشر أحيا الليل، وأيقظ أهله، وجدّ وشدّ المئزر”.

اقبلْ على عشر رمضان -حفظك الله- بكل جهدك وقوتك، واحرص على أن يكون ختام شهرك ختامًا حيًّا مباركًا تُزوّد فيها بالطاعات، احرص على الفريضة مع اهلك في بيتك إلى أن يفرج آلله عنا ويفتح لنا أبواب الخير والتيسير ، واللهَ اللهَ أن يشهد الله عليك أو حتى أحد من خلقه تخلُّفًا عن الصلاة بنوم أو كسل، الزم النافلة القبلية والبعدية، واحرصْ على أداء صلاة التراويح والقيام مع أبناءك وبناتك وزوجك ، ولازم فيها هاذا الدعاء: اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني؛ فهي وصية رسول الله r لأم المؤمنين. أكثرْ من قراءة القرآن، ونوِّع في القراءة ما بين حدرٍ وترتيل، ولتكن عنايتك بالتدبُّر لآيات القرآن الكريم؛ فإن في ذلك خيرًا كثيرًا. قُمْ برعايتك والديك، وقبِّل رأسهما كل مساء، والزمهما بالطاعة والبر؛ فإن ذلك من أعظم فرص استغلال شهر رمضان. صِلْ أرحامك وتعاهد جيرانك؛ فإن ذلك من خلق المسلم.
وإنني إذ أدعوك إلى التمعُّن في هذه الأحاديث إنما أدعوك للتحرر من الكسل، واستقبال الآخرة، والإقبال على عشر رمضان الأخيرة، ففيها -بإذن الله تعالى- سر السعادة المرتقبة التي ببحث عنها كل عبد من عباد الله تعالى.
معاشر القراء،
إن من أعظم أسباب البركة و الفضل، واسرار المثوبة والاجر لهذه الليالي العشر، أن فيها ليلة القدر تلك الليلة المباركة الشريفة القدر، التي أنزل فيها القرءان هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان، والتي هي خير من ألف شهر في العبادة والذكر والدعاء والقيام ، قال تعالى في فضلها وعظم قدرها:” إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍتَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ”

هي سلام للمؤمنين من كل سوء، وحصن لهم من كل شر ،من غروب شمسها الى طلوع فجرها . تلك الليلة ،عباد الله، مطلب المؤمنين ورجاء الصالحين وأمنية المتقين ، فيها يتنزل الروح الأمين جبريل عليه السلام والملائكة الكرام يشهدون مَواطن الذكر والقيام والدعاء ،فتعم الأنوار وتحل البركات وتكثر الخيرات وتجاب الدعوات ، سألت عائشة النبي صلى الله عليه وسلم :” أرأيت ان وافقت ليلة القدر ما أقول فيها؟ قال: قولي اللهم انك عفو تحب العفو فاعف عني”،وفي هذه الليلة عباد الله تقدر أقدار العام” . قَالَ قَتَادَة وَغَيْره تُقْتَضَى فِيهَا الْأُمُور وَتُقَدَّر الْآجَال وَالْأَرْزَاق كَمَا قَالَ تَعَالَى ” فِيهَا يُفْرَق كُلّ أَمْر حَكِيم ” . وقد بشر المصطفى صلى الله عليه وسلم بفضلها العميم حين قال :” من قام ليلة القدر ايمانا واحتسابا غفر له ماتقدم من ذنبه” وأمر بتحريها في العشر الاواخر من رمضان وفي الوتر منها خاصة.

فطوبى لإمريء يطلبها — في هــذه العشـر
ففيها تنزل الامــلاك — بالانــوار والبـر
وقـد قال سـلام هي — حتى مطلع الفجـر
ألا فادخــرها انهـا — من أنفس الذخـر
فكم مـن معتق فيهـا — من النار ولايدري

ولأجل هذا الفضل العميم والخير العظيم فقد خص الرسول صلى الله عليه وسلم هذه العشر بمزيد من الاجتهاد في العبادة وكان له هدي وسنة في احيائها ، ففي صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجتهد في العشر الاواخر مالايجتهد في غيره.
وخير ما أجعله مسك الختام فقرة من فقرات” الشفا بتعريف حقوق المصطفى” للقاضي عياض.
وإليكم الباب الأول في ثناء الله تعالى عليه وإظهاره عظيم قدره لديه.

إعلم أن في كتاب الله العزيز ءايات كثيرة مصفحة بجميل ذكر المصطفى صلى الله عليه وسلم وعد محاسنه وتعظيم أمره وتنويه قدره، اعتمدنا منها على ما ظهر معناه وبان فحواه، وجمعنا ذلك في عشرة فصول:
(الفصل الأول)
فيما جاء من ذلك مجئ المدح والثناء وتعداد المحاسن كقوله تعالى (لقد جاءكم رسول من أنفسكم) الآية.
قال السمرقندي: وقرأ بعضهم (من أنفسكم) بفتح الفاء.
وقراءة الجمهور بالضم، قال الفقيه القاضي أبو الفضل وفقه الله تعالى:
أعلم الله تعالى المؤمنين أو العرب أو أهل مكة أو جميع الناس على اختلاف المفسرين من المواجه بهذا الخطاب: أنه بعث فيهم رسولا من أنفسهم يعرفونه ويتحققون مكانه ويعلمون صدقه وأمانته فلا يتهمونه بالكذب وترك النصيحة لهم: لكونه منهم، وأنه لم تكن في العرب قبيلة إلا ولها على رسول الله عليه وسلم ولادة أو قرابة، وهو عند ابن عباس وغيره معنى قوله تعالى (إلا المودة في القربى) وكونه من أشرفهم وأرفعهم وأفضلهم على قراءة الفتح هذه نهاية المدح، ثم وصفه بعد بأوصاف حميدة، وأثنى عليه بمحامد كثيرة.
من حرصه على هدايتهم ورشدهم واسلامهم وشدة ما يعنتهم ويضر بهم في دنياهم واخراهم وعزته عليه ورأفته ورحمته بمومنيهم. قال بعضهم: أعطاه إسمين من اسماءه رؤوف رحيم. ومثله في ءاية أخرى قوله تعالى: (لقد حكم الله على المومنين إذ بعث فيها رسولا من أنفسهم ) سؤال عمران: وفي ءاية أخرى (هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم) الجمعة:
وقوله تعالى : ( كما أرسلنا فيكم رسولا منكم ) البقرة.
اللهم إ نا نسأل من كل خير سألك منه نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ونعوذ بك من كل شر استعاذك منه نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.
يتبع..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

ثمانية عشر − 14 =

زر الذهاب إلى الأعلى
MCG24

مجانى
عرض