
عبد الرحمان سورسي
الحمد لله المنزه عن الأشباه في الأسماء والأوصاف، القائم بالقسط والحق والإنصاف، خضعت لعزته الأكوان وأقرت عن الاعتراف، وانقادت له القلوب وهي في انقيادها تخاف، كشف للمتقين اليقين فشهدوا، وأقامهم في الليل فسهروا وتهجدوا، وأراهم عيب الدنيا فرفضوها، وزهدوا، وقالوا: نحن أضياف! أحمده على ستر الخطايا والاقتراف، وأصلي على رسوله محمد الذي أنزل عليه القرءان وعلى أتباعه الذين ساروا على الصراط المستقيم بلا ميل ولا انحراف. وسلم تسليما كثيرا.
أما بعد:
فقد شاءت الأقدار الإلهية والطاف مولانا الخفية ان اكتب اليكم هاذه المرة موضوعا هاما بعنوان :
{{العشر الأواخر على الابواب
يجتهد فيها أولوا الألباب }}
إلى إخواني وأخواتي :
الى أبناءي وبناتي :
إلى كل الأحباب الغيورين على الدين والقراءات والشريعة والوطن.
أيها الإخوة الصائمون
أيتها الأخوات الصائمات:
تعرّف العشر الأواخر من شهر رمضان، بحسب ما اصطلح عليه العلماء بأنّها : الأيام والليالي الواقعة ما بين ليلة الحادي والعشرين من رمضان إلى آخره؛ سواءً كانت عشرةً كاملةً، أو ناقصةً؛ باقتصارها على تسعٍ؛ إذ العبرة بإطلاق اللفظ على الغالب والتمام، وتُطلق العشرُ على الأيّام مع ليالها، قال الله تعالى-: (وَلَيَالٍ عَشْرٍ). وتبدأ العشر الأواخر من ليلة الحادي والعشرين من شهر رمضان بغض النظر أكان تسعة وعشرين يوماً أو ثلاثين.
أخي الصائم أخت الصائمة، بينما يزداد الخوف والقلق من انتشار فيروس كورونا اللعين، (كوفيد 19)، يهرع الناس إلى الله عز وجل يسألونه النجاة من هذا الكرب، ورفع البلاء.
فما أحوجنا أن نشمر عن ساعد الجد، ونشحذ الهمم فيما تبقى من شهر رمضان؛ شهر الطاعة والمغفرة والرحمة والعتق من النيران.
سائلين المولى جل وعلا قائلين:
اللهم أصرفه عن بيوتنا وعن بلاد المسلمين،
وقنا شر الداء،
ونجنا من الطعن والطاعون والبلاء،
بلطفك يالطيف،
إنك على كل شيءٍ قدير.
فهاهي العشر الأواخر من رمضان على الأبواب، أيام عظيمة امتن الله بها على الأمة المسلمة بأن أعطاها نفحات ربانية عطرة، فيها الأجر العظيم مع العمل والطاعة القليلة، وفيها أيضا ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر..
هي خلاصة رمضان، وزبدة رمضان، وتاج رمضان قد قدمت، فيا ترى كيف نستقبل العشر الأواخر من رمضان؟
وإذا كان قد ذهب من هذا الشهر أكثره، فقد بقي فيه أجَلّه وأخيره، لقد بقي فيه العشر الأواخر التي هي زبدته وثمرته، وموضع الذؤابة منه، ولقد كان – صلى الله عليه وسلم – يعظّم هذه العشر، ويجتهد فيها اجتهادًا حتى لا يكاد يقدر عليه، يفعل ذلك – صلى الله عليه وسلم – وقد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخّر، فما أحرانا نحن المذنبين المفرّطين أن نقتدي به – صلى الله عليه وسلم – فنعرف لهذه الأيام فضلها، ونجتهد فيها؛ لعل الله أن يدركنا برحمته، ويسعفنا بنفحة من نفحاته، تكون سببًا لسعادتنا في عاجل أمرنا وآجله.
روى الإمام مسلم عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: “كان رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يجتهد في العشر الأواخر، ما لا يجتهد في غيره”.، وفي الصحيحين عنها قالت: “كان النبي – صلى الله عليه وسلم – يخلط العشرين بصلاة ونوم، فإذا كان العشر شمَّر وشدَّ المئزر”.
فقد دلت هذه الأحاديث على فضيلة العشر الأواخر من رمضان، وشدة حرص النبي – صلى الله عليه وسلم – على اغتنامها والاجتهاد فيها بأنواع القربات والطاعات؛ فينبغي لكم -أيها المسلمون- أن تحرصوا على إيقاظ أهلكم، وحثهم على اغتنام هذه الليالي المباركة، ومشاركة المسلمين في تعظيمها والاجتهاد فيها بأنواع الطاعة والعبادة.
وقد كان لنا في رسول الله – صلى الله عليه وللعشر الأواخر من رمضان مزايا تفضلها على غيرها من ليالي العام، ذلك أنها الليالي التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحييها كلها بالعبادة، وفيها ليلة القدر التي هي “خير من ألف شهر”.
فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يخص العشر الأواخر بعناية واجتهاد كبيرين، ويجتهد فيها ما لا يجتهد في غيرها من العبادة والحرص على فعل الخير.
ففي الصحيحين عن عائِشة رضي الله عنها قالت: “كان النبي صلى الله عليه وسلم إِذا دخل الْعشْرُ شدّ مِئزرهُ، وأحيا ليلهُ، وأيقظ أهلهُ”. و”شد مئزره” كناية عن اعتزال النساء، و”أحيا ليلهُ” معناه استغرقه بالسهر في العبادة صلاة وتلاوة.
فيستحب للمسلم أن يحقق في هذه العشر مفهوم العبودية لله عز وجل في حياته العامة والخاصة، وأن يركز على تزكية نفسه وإصلاح قلبه والتزود بالخيرات، حيث يحبذ للمسلم في العشر الأواخر من رمضان الحرص على جملة من أعمال البر من أهمها:
تحري ليلة القدر:
فليلة القدر هي أعظم ليالي العام لقوله تعالى إنها “خير من ألف شهر”، ومن عظيم فضل العشر الأواخر من رمضان أنها فيها. فلو قُدر للمؤمن أن يصادف ليلة القدر متعبدا لله مخلصا له الدين، لكانت وحدها خيرا له من عبادة حياته كاملة.
الاعتكاف:
وهو عبادة من أجل الأعمال الصالحات المستحبة في العشر الأواخر، فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه “كان يعْتكِفُ الْعشْر الأواخِر مِنْ رمضان حتّى توفّاهُ اللّهُ”، ولتعذر الظروف في هذاه الأجواء الرمضانية بسبب الإجراءات الوقائية من وباء “كورونا” بتعليق صلاة الجماعة والتجمعات مهما كان نوعها، ومنها صلاة التراويح والاعتكاف، فيمكن للمسلم أن يعوضها بقيام الليل في البيت إيمانا واحتسابا.
تلاوة القرآن:
فرمضان هو شهر القرآن والإكثار من قراءته بتدبر وخشوع، قال تعالى: {شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان}، فينبغي استغلال أوقاته، لا سيما عشره الأخيرة بالتفرغ لمدارسته ومذاكرته. وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يدارسه جبريل عليه السلام القرآن في كل يوم من أيام رمضان.
الدعاء:
فالدعاء عبادة عظيمة يغفل عنها كثير من الناس، ويقول فيه عليه الصلاةُ والسلام: “إن في الليلِ لساعة لا يُوافقها رجلٌ مُسلم يسأل الله خيرا مِن أمرِ الدنيا والآخرة إلا أعطاه إياه، وذلك كلّ ليلة”، رواه مسلم، وقيل للنبي صلى الله عليه وسلم: أي الدعاء أسمع؟ قال: “جوفُ الليل الآخِر ودُبر الصلواتِ المكتوباتِ، رواه الترمذي.
وفي صحيح البخاري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “ينزل ربنا تبارك وتعالى في كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليلة الأخيرة فيقول: من يدعوني فأستجيب له ومن يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفر له»، وفي مسند الإمام أحمد عن ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “إذا كان ثلث الليل الباقي يهبط الله إلى السماء الدنيا، ثم تفتح أبواب السماء حتى يطلع الفجر”.
اغتنام آخر ليلة من رمضان:
وهي ليلة من أعظم الليالي ففيها يغفر الله لعباده المؤمنين، ويعتق فيها رقاب من ارتضى عملهم، وهي ليلة الختم وليلة توزيع الجوائز، وقد سأل الصحابة النبي صلى الله عليه وسلم؛ أليلة القدر هي؟ قال: “لا ولكن العامل إنما يوفى أجره عند انقضاء عمله”
الإنفاق في سبيل الله:
يستحب الإكثار من الصدقة في رمضان عامة وفي العشر الأواخر منه، خاصة في غير سرف ولا خيلاء، إذ ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه “كان أجْود النّاسِ بِالْخيْرِ، وكان أجْود ما يكُونُ في رمضان”.
اللهم اجعلنا من الرابحين في هاذا الشهر المبارك. اللهم اجعنا فيه من الشاكرين الذاكرين حتى نلقاك راضين مرضيين غير نادمين باذنك.
فرحين برضاك ورضا سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.
يتبع..