ثقافة

صدى رجالات أسفي في التاريخ – الحلقة 83

إعداد: الدكتور منير البصكري الفيلالي / أسفي

محمد عصفور  :
ممثل ومخرج ومؤلف مغربي .. ولد بمدينة أسفي ، هاجر إلى الدار البيضاء سنة 1934  انخرط منذ ريعان شبابه في المقاومة ، والتحق بخلية للعمل الوطني التي كان يقودها المناضل الأستاذ عبد الرحمن اليوسفي إلى جانب مناضلين آخرين من بينهم حميدو الوطني . أطلق عليه لقب ” أب السينما المغربية و مؤسس سينما الهامش ” . توفي رحمه الله يوم 20 دجنبر 2005 عن عمر ناهز الثمانين .  يعد محمد عصفور من بين المخرجين الذين أفنوا زهرة شبابهم في خدمة السينما المغربية في الفترة المذكورة ، فهو المخرج المغربي العصامي الذي استطاع بفضل احتكاكه مع الفرنسيين المقيمين بالدارالبيضاء في بداية الأربعينيات من القرن الماضي ، أن يأخذ عنهم التقنيات الأولى للتصوير السينمائي ، حيث صور أفلامه الأولى  بكاميرا الهواية ، من مقياس 8 و 9 مم ، معتمدا على إمكانياته الخاصة من تحميض أفلامه بنفسه . وكانت أولى محاولاته ـ وهو لم يتجاوز بعد السادسة عشرة من عمره ـ أن أنجز أعمالا غاية في الدقة ، وتتمثل في إعادة إنتاج أفلام تكاد تشبه بعض الأعمال السينمائية الأمريكية ذات الشهرة العالمية مثل ” طرزان ” و” ابن الغابة ” وذلك بمعية مجموعة من الشباب أغوتهم الشاشة الفضية بسحرها . وقد سخر محمد عصفور لإنجاح هذه التجربة إمكانيات ضعيفة لا تسعف في تحقيق سينما متقدمة على غرار ما هو موجود ومعروف في الغرب .
لذلك ، فمحمد عصفور أو ” تشيكو ” كما كان يلقب ، كان أول المغاربة الذين اشتغلوا في الحقل السينمائي كما كان أول من أخرج فيلما سينمائيا بالمغرب ..كما عمل كتقني مع سينمائيين كبار كأولسن ويلز في فيلم “عطيل”.
لقد ولج محمد عصفور عالم السينما صدفة وسحر بأفلام ” طارزان ” كما قلنا سابقا ، حيث تأثر كثيرا بهذه الأفلام وبدأ يقدم عروضه السينمائية التي لم تكن تتجاوز عشرين دقيقة ، يتم ذلك في المقاهي الشعبية .. وحتى يستوفي الوقت الكافي ، كان يبرمج إلى جانبها مقابلات في الملاكمة بين شباب حي بوشنتوف بالدار البيضاء  .
لقد استطاع محمد عصفور أن ينجح في كسب التحدي الاجتماعي واليومي .. منحته السينما فرصة الاقتراب من بعض أطوار حياته ، إذ لولا ذلك ، ما كنا ندري أن هذا الرجل عصامي ، فتح لنفسه آفاقا وحكى لنا كيف يمكن التغلب على الصعاب .
ومن ثمة ، غدت السينما وسيلة ذات فاعلية كبيرة في توثيق غير قليل من الأحداث التي عاشها محمد عصفور في حقبة لا يزال المغرب لم يتخلص بعد من وطأة وآثار الاستعمار الفرنسي  ، وهذا ما أعطى لهذا الأمر قدرة أكبر على البقاء في الذاكرة الإنسانية .
من هنا سيصبح محمد عصفور حيا في ذاكرة السينما المغربية .. فهو شيخ هذه السينما ، حيث كان أول من اشتغل عليها في بلادنا . ومن ثمة ، يحق لنا اليوم الإصرار على الاحتفاء بالإبداع السينمائي لمحمد عصفور، لما يشكله من قيمة فنية وحضارية للذاكرة عبر الوقوف المتأني والمتأمل في تفاصيلها وعبر إعادة قراءتها .. لأن عدم الاكتراث بهذه الذاكرة في بلادنا ، سيعمل ـ لا محالة ـ على فقدان المزيد من مقومات ذاكرتنا السينمائية، وهذا يتطلب أن نعيد قراءة إنتاجنا السينمائي المغربي ـ مهما كانت وضعيته ـ إنعاشا لذاكرتنا وترسيخا لهذا الإنتاج .. إذ ما أصعب أن يضيع جزء من الذاكرة صنعته المعاناة ومكابدة المشقات .
ومن هنا أيضا ، أصبح من المطلوب ترميم وصيانة أصول الأفلام ، وذلك بإعادة طبعها على وسائط حديثة ، وإشاعتها بين جمهور عشاق الفن السابع ، صونا للذاكرة السينمائية في بلادنا . وعمل كهذا لن يكتب له النجاح ما لم تتعهده جهود متضافرة وتتبناه المؤسسة الثقافية الرسمية ببلادنا ، وتتولاه بالرعاية الكاملة باعتباره انشغالا رئيسيا وهما كبيرا ، وليس لحظة عابرة .
لذلك ، يعد الحديث عن محمد عصفور من أهم لحظات ذاكرة السينما في المغرب بكل ما تحمله من مفارقات وإشكالات ارتبطت في غير قليل من الأحيان بالممارسة السينمائية خلال العقود الثلاثة الماضية. ولعل من يتأمل صناعة الأفلام السينمائية في بلادنا ، سيلاحظ ـ بلا مراء ـ أن السينما المغربية لم تنطلق إلا في أواخر الخمسينيات وبداية الستينيات من القرن العشرين بآليات وأدوات ضعيفة ، بل إن بعض المخرجين السينمائيين المغاربة هم الذين يكتبون السيناريو ويمارسون التمثيل ، ويقومون بعملية التصوير والمونطاج والتوضيب وتنضيد الصوت ، ووضع الموسيقى التصويرية وإنتاج الفيلم  وتوزيعه وتسويقه ، على حد ما كان يفعل محمد عصفور ، علما بأنه لم يكن يمتلك كل الوسائل التي تساعده على تخطي الحواجز التي تحول دون تحقيق المراد .
يبدو أن هناك فعلا قلة الإمكانيات المادية وغياب التكوين السينمائي الأكاديمي ، مما ساهم في خلق وضع سلبي على صناعة الأفلام المغربية ، وأثر أيضا على النواحي التقنية والفنية والجمالية .. وهي مشاكل وعوائق عانى منها ـ بلا شك ـ محمد عصفور . لكن ذلك لم يكن ليحول دون الإرادة التي كان يتوفر عليها .. والطموح الذي كان يحدوه من أجل سينما مغربية يريد لها أن تتوهج نظرا للولع والحب الذي أظهره لها ، وللفن السابع على العموم منذ سن مبكرة ، حيث تمكن وهو ابن السابعة عشرة من إنجاز أشرطة بكاميرا بسيطة ، اقتناها من ماله الخاص الذي جمعه ووفره من خلال عمله المتواضع كنادل بإحدى مقاهي الدار البيضاء بعد مغادرته لمسقط رأسه أسفي وبعد أن لم تسمح له ظروفه المادية بولوج المدرسة .
يتبع …

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

11 − 9 =

زر الذهاب إلى الأعلى
MCG24

مجانى
عرض