المذهب المالكي في المغربسلايدر

المذهب المالكي في المغرب.. مدرسة تربوية إصلاحية ساهمت في بناء الشخصية المغربية – الحلقة الرابعة

إعداد : الدكتور منير البصكري ـ أسفي
عرفنا في الحلقة الماضية لماذا اختار المغاربة المذهب المالكي، حيث أشرنا إلى أن هناك اعتبارات كثيرة جعلت المغاربة يختارون هذا المذهب رسميا منذ أربعة عشر قرنا، منها شخصية الإمام مالك نفسه وصفاته الأخلاقية وسعة علمه وفقهه الغزير إضافة إلى اعتبارات عقدية ومصلحية ،ومن ثمة ، فهو مذهب يعبر عن الوحدة المذهبية الدينية والأصالة الحضارية، وهو في الآن ذاته مدرسة تربوية إصلاحية ساهمت في بناء الشخصية المغربية بكل ما لها من مميزات وخصائص، جعلته منه مذهبا للدولة ولعموم المجتمع. فهل لأجل هذا كله، استمر المذهب المالكي في المغرب؟ أم أن هناك أسبابا أخرى عملت على استمراره وتمسك المغاربة به؟.
لا بد أولا أن نذكر أن الدولة في المغرب ساندت إلى حد كبير المذهب المالكي، وكان ذلك في طليعة أسباب الاستمرار، حيث كانت تعززه وتتقوى به في محاربتها المستمرة للاتجاهات المنحرفة التي من شأنها أن تشوش عليه وعلى عقيدة المغاربة، وذلك على حد ما فعل يوسف بن تاشفين حين قضى على البورغواطيين والمولى إسماعيل حين حارب طائفة العكاكزة المنحرفة، وجلالة الملك الحسن الثاني رحمه الله وطيب ثراه، حين وضع حدا للبهائيين ، وهم زائغون بإجماع أهل السنة والشيعة.
ومثل ذلك لاحظناه منذ الأدارسة فالمرابطين، خاصة أيام يوسف بن تاشفين الذي شهد له حتى خصومه بالورع والتقوى والعدل والاستقامة .. وباستثناء الموحدين الذين توسلوا بالمذهبية الدينية ، فالمغاربة كانوا دائما متشبثين بالمذهب المالكي، إذ بانتهاء الدولة الموحدية ، سيعود المذهب إلى سالف عهده ليظهر من جديد أكثر تألقا وبروزا في تكوين الشخصية المغربية.. بل سيعود أقوى مما كان، بما اكتسب من خبرة ومرونة أتاحا له أن يطرح نفسه وقضاياه في خط اجتهادي ومن خلال مقاييس جديدة ، في محاولة للتوفيق بين الحكم الشرعي وواقع الحياة المتحرك . وهي القوة نفسها التي عرفها المذهب في ظل الدولة العلوية التي كانت تروم إنقاذ الفكر المغربي من الجمود الذي وقع فيه أيام السعديين بسبب كثرة الملخصات التي وضعت إجمال المسائل الفقهية وتقريبها .وهكذا ، دعا السلطان سيدي محمد بن عبد الله إلى نبذ المختصرات الفقهية ، والعودة إلى الكتاب والسنة وآراء السلف الصالح ، كذلك دعا السلطان المولى سليمان إلى الإصلاح والتوجه إلى الانتصار للسنة ومحاربة البدع الضالة ..كذلك ، لا بد أن نذكر نضالية المذهب والتحام فقهائه بالقضايا الوطنية والتقدم في مجال الاجتهاد . ومعلوم أن المغرب لعب دورا مهما في إفريقيا ، كان قائما على نشر الإسلام من خلال المذهب المالكي وما يواكبه من تصوف يستند إلى كتاب الله وسنة رسوله الكريم .
والحقيقة أنه ما كان لهذا المذهب أن يستمر لو لم يكن يحمل في طبيعته خصائص ومقومات ساعدته على الدوام والاستمرار. ومن ذلك يمكن أن نذكر طبيعة المذهب في حد ذاته الذي يقوم في مبادئه على النص والنقل وعلى الأثر والرواية ، فضلا عن واقعيته القائمة على اعتماد عمل أهل المدينة كما تمت الإشارة إلى ذلك في الحلقات السابقة .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

1 × 2 =

زر الذهاب إلى الأعلى
MCG24

مجانى
عرض