
صدى رجالات أسفي في التاريخ – الحلقة 95
إعداد: الدكتور منير البصكري الفيلالي / أسفي
الفنان المجدد مولاي أحمد السرغيني
أسفي حاضرة المحيط ومفخرة المغرب في مجال صناعة الخزف التي تشهد على أصالة الفن والإبداع وتجدره بمدينة أسفي .. ومساهمة أبنائها بإبداعاتهم الجميلة في رسم خطة طريق، لإنقاذ هذا اللون من الصناعة التقليدية من الاندثار والمنافسة الشرسة التي تمارسها منتوجات صناعية دخيلة عليها. ولعل الحفاظ على هذه الصناعة، مؤشر قوي على صيانة التراث وعراقة التاريخ المغربي من خلال مساهمة الحرفيين في تجويد وتطوير وتثمين هذا الفن الأصيل ليبقى خير شاهد على حضارة متميزة عرفتها مدننا العريقة وفي طليعتها مدينة أسفي عاصمة الخزف بدون منازع، فهي مدينة تحتل الصدارة في صناعة الخزف ذات الطابع الأصيل والمتنوع، مما يضفي عليها لمسة ساحرة تجلب الأنظار. فلا غرو أن يكون وراء هذا التوهج الإبداعي نخبة من أمهر محترفي صناعة وزخرفة الخزف، دافعهم الإبداع وحب هذه الصناعة .. نذكر منهم، السي بنبراهيم فخاري والسي عبد القادر لغريسي والسي الجيلالي الزيواني والمعلم سعيد السوسي ومحمد الرباطي السنتيل وغيرهم كثير .. وفي هذه الحلقة سنسلط الضوء على أحد الوجوه البارزة التي ساهمت بقوة في إحياء وتجديد التراث الخزفي بمدينة أسفي، عبر تحديث طرق الصناعة الخزفية مع التمسك بالعراقة والأصالة. يتعلق الأمر بمولاي أحمد السرغيني المزداد بأسفي عام 1947 بدرب القوس، زنقة أعطار بالمدينة العتيقة. وحين يمر معنا اسم أعطار ، نذكر السفير المغربي على عهد المولى إسماعيل، المنحدر من مدينة أسفي، الشخصية البارزة والدبلوماسي الكبير ، محمد بن حدو أعطار.
ينتمي مولاي أحمد السرغيني إلى عائلة توارثت صناعة الخزف أبا عن جد .فجده الحاج محمد السرغيني جاء إلى اسفي قادما من فاس عام 1886 حيث سكن بحي القصبة قبالة ضريح سيد الغازي، أما والده مولاي الطاهرالسرغيني الملقب ب (امعيزو) فكان يسكن هو الآخر بالقصبة قريبا من دار البواب. للإشارة، فقد كان مولاي الطاهر في طليعة الذين التحقوا بمدرسة الخزف التي أسسها بوجمعة العملي المنحدر من الجزائر، وواحد من أشهر فناني الخزف في المغرب عام 1919 . فكان مولاي الطاهر من بين الذين التحقوا بهذه المدرسة ، فتتلمذ على يد بوجمعة العملي من سنة 1921 إلى 1924.
وكباقي أقرانه، التحق مولاي أحمد السرغيني بكتاب الطالب البوفي بدرب سيدي عبد الكريم بغية حفظ القرآن الكريم، وفي سن السادسة من عمره، التحق بمدرسة مولاي يوسف، ابتداء من السنة الدراسية 1953 / 1954 حيث درس على يد أساتذة أجلاء نذكر منهم: السي الدكالي والسي عبد الله فرحات والسيد سيمار والفقيه ليلو وسيدي التهامي الوزاني .. ليحصل بعد ذلك على شهادة الدروس الابتدائية وينتقل إلى ثانوية ابن خلدون عام 1961 التي كان سيدي التهامي الوزاني يشرف على تدبير إدارتها. وهناك، درس على يد السادة الأساتذة: أندري نوري والطالبي وحسن عبد الدايم وعبد الرحمان فرحات وأساتذة آخرون من فلسطين. ومن حين لآخر، كان مولاي أحمد يهتبل فرصة العطل المدرسية ليقصد تل الفخارين حيث محترف الأسرة، يعلمه عمه مولاي ادريس السرغيني دون علم والده الذي كان يريد لابنه أن يتابع دراسته، رافضا تعلم حرفة الأجداد، إدراكا منه صعوبة تعلم الفخار، فكان يحاول إبعاده عنها . لكنه حين لاحظ إصرار الابن على المضي قدما في تعلم صناعة الخزف وعشقه الجارف لها وشغفه بها ، وانجذابه القوي نحو الطين، تركه مستجيبا لرغبة ابنه، حيث أمده عام 1965 بقدر من المال لإنجاز مشروعه في مجال الفخار، فأبان عن قدرة فائقة وتحمل للمسؤولية، فلم تمر سنة بكاملها حتى أعاد لوالده ذلك القدر المالي الذي بدأ به مشروعه، وكان مجموعه ثلاثة آلاف وخمسمائة درهما.
يتبع …