
تجليات السيرة النبوية في الشعر الملحون – الحلقة 22
د. منير البصكري الفيلالي / أسفي
ذهب الرسول صلى الله عليه وسلم إلى صاحبه أبي بكر الصديق وأطلعه على ما أخبره الله به من تآمر قريش به .. فطلب منه أبوبكر أن يصحبه، فخرج الإثنان من باب صغير خلف دار أبي بكر، وأمر الرسول علي بن أبي طالب أن يبيت في مكانه تلك الليلة، ثم جاء القوم ووقفوا على باب بيت الرسول يرصدونه متى نام، فيثبون عليه .. لكن الله غالب على أمره، بيده ملكوت السماوات والأرض، يفعل ما يشاء، وهو يجير ولا يجار عليه .. يقول الشيخ أحمد سهوم واصفا لحظات خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم مهاجرا من مكة إلى المدينة صحبة أبي بكر الصديق رضي الله عنه:
اعطى الأمر العلي يبقى وراه طمـــآن وقال ليه البس ثوبي نم في مكاني
في الصباح اترد آمانات هل التأمـــان عاد تلحق بي والان نام هانـــــــي
ومر عن أبا بكر وشـوروا الإثنـــــان للأرض يثرب الله مثالت الإثنانــي
تـاركين القتلـة حـارسين جـــــــدران وسطهم علي واسن غاية الوساني
ها شجاعة علي من نام ليس خوفان وها زعامة أبا بكر الصديق ثانــي
ها الحب اتمزج يا من سقى بالايمان ها الطاعة والولاء وقت الاحزانــي
نام في سريره وبثوبه وكان فهمــان بين عشرة برا كل بسيف سانـــي
وبو بكر ساعة مرا عليه كان صحيان غي اوماله تبعه ما ودع البطانــــي
والنبي سيد الزعما وكل شجعــــــان ما نطيق نوصف عزمه بشعر فاني
الله ستره واللي ستره الله يتصــــــان كيف ستره في غار الثور به عاني ..
لما انتهى الرسول الكريم مع صاحبه أبي بكر الصديق إلى الغار حيث أقاما ثلاث ليال قبل المضي قدما إلى المدينة (يثرب). أما قريش، فقد جن جنونها حينما تأكد لديها إفلات رسول الله صلى الله عليه وسلم .. حينئذ، جدت الفرسان والمشاة وقصاص الأثر في الطلب، وانتشروا في الجبال والوديان، والوهاد والهضاب، لكن من دون جدوى وبغير عائدة.
وحين خمدت نار الطلب، وتوقفت أعمال دوريات التفتيش، وهدأت ثائرة قريش بعد استمرار المطاردة الحثيثة بدون جدوى، تهيأ الرسول صلى الله عليه وسلم وصاحبه للخروج إلى المدينة.
سمع المسلمون بالمدينة بمخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة، فكانوا يغدون كل غداة إلى الحرة، فينتظرونه حتى يردهم حر الظهيرة .. فمسيرة الهجرة لم تكن على ارض معبدة أو طريق ممهدة، بل صاحبتها معاناة نفسية تحير الحليم وتأخذ بلب الرشيد.
روى البخاري ومسلم في صحيحيهما أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه قال: نظرت إلى أقدام المشركين ونحن في الغار وهم على رؤوسنا، فقلت يا رسول الله لو نظر أحدهم تحت قدميه لأبصرنا، فقال: (ما ظنك باثنين ، الله ثالثهما). وأشرق وجه الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم على مشارف المدينة المنورة، وتزاحم أهلها يفتحون قلوبهم لمن أسعدهم بالقدوم واستجاب لدعوتهم.
وفي هذا الصدد، خلد شعراء الملحون هذا الحدث العظيم بشعر صادق ينم عن حب دفين لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
من ذلك قول الشيخ ادريس بن علي السناني :
تم اهجر مكة وسار شور المدينة غـــادي القــاته الانصــار شايقـة بالمـدح وتمجـــــاده
اللهم صلي على الحبيب المحبوب الهادي واجميع اصحابه هل الفضل وازواجه واولاده
طابت المدينة وأرضها بالطيب سلطان الأنبيــا
عليه الصلاة ما تنتهــى تبقى طول الدهر باقية
السلام انهيه في حالها فاق المسك وطيب غالية
ومن ذلك أيضا ، قول الشيخ عبد العزيز المغراوي :
ومن اهداه المولى أمن بيه واسمـــع ومن اشقاه احفر بنيانه على الخديعة
تم نصروه اهل الهجرة اكرام الانفاس وتبعوه لطيبة من كل ليث عــــــــابس
وانتصر المنصور اعلام دون تعباس والعدات انهزموا واعلامهـم نـاكـــــس
وفي السياق ذاته ، يقول الشيخ محمد بن علي المسفيوي :
حين اوصل طيبة الطيبة بجهار خرجوا بنات النجار نعم البكار
قالوا ألف مرحبة ونعم السرور بيك الأمير..
في تنايت الوداع لو اجبرت انكون قبة تشوفها العيون وعلى الجون