ثقافة

الإشراق الصوفي في الشعر الملحون – الحلقة الأولى

إعداد : الدكتور منير البصكري الفيلالي / أسفي
بمناسبة الطلعة البهية لشهر رمضان المبارك، يسعدني أن أتقاسم مع قراء MCG 24 موضوعا في غاية الأهمية، يتعلق بالإشراقات الصوفية في الشعر الملحون، متمنيا لهم جميعا قراءة ماتعة ورمضانا مباركا، أدخله الله علينا باليمن والبركة والتيسير، وتقبل منا الصيام والقيام وصالح الأعمال، وبلغنا جمال لحظاته ونحن في أحسن حال.
الحلقة الأولى :
يعلم الكثير من المهتمين بالتصوف أن الشعر الصوفي عموما قد لقي إهمالا ملحوظا، إضافة إلى حرص الصوفية أنفسهم على ستر آدابهم عمن سواهم  ويزداد الأمر تعقيدا فيما يخص الشعر الصوفي في الملحون، حيث إن غير قليل من القصائد الصوفية لم تحظ بالعناية الكافية وما يزال الكثير منها لم يسعف في الاطلاع عليه، نظرا للضياع الذيتعرضت له تلك القصائد.
من هذا المنطلق، أحببنا أن نسلط بعض الضوء على مجال الإشراقات الصوفية في الشعر الملحون تبيانا للموضوعات التي دار عليها الشعر الصوفي في الملحون آملين التوفيق من الله عز وجل.
   من المعلوم أن الشعر الصوفي يحتل مكانة بارزة في التجربة الصوفية، إذ إن الصوفية لم ينظموا الشعر إلا بعد معاناة ومجاهدة  وتفان في سبيل الوصول، وصدق في القول، ورياضة باطنية شفافة، ووله بالمحبوب، وثورة على الظاهر المألوف، وشوق إلى تلف الأشياء. وما الشعر والتصوف إلا كذلك. فهما معا يكشفان عن رؤية صوفية متميزة، تتمثل في مظاهر متنوعة.. فليس غريبا أن يلجأ الصوفيون إلى الشعر ليعبروا عن تجاربهم التي تقوم على الذوق، وتمتطي القلب في سبيل الوصول والعروج إلى مدارك الكمال . فالشعر الصوفي ينبع من الذات ويلتحم بها التحاما وثيقا ليعبر عن تجربة صادقة. وهكذا، أتاحت التجربة الصوفية لشعراء الملحون مجالا واسعا للتعبير عن تجاربهم الروحية  بمعان عميقة، وعبارات رقيقة، فانتقلوا بذلك إلى عالم الشوق والذوق وانخرطوا في حال الوجد والهيام. لقد قدموا على التصوف، وقلوبهم مفعمة بالعواطف الجياشة والإشراقات الربانية. ذلك أنهم وجدوا في التصوف مادة خصبة، حية ونابضة، فأبدعوا شعرا صوفيا له قيمته ووزنه، حيث اتخذوا منه متنفسا لإفراغ الحمولة العاطفية الجامحة ،ووسيلة للإبلاغ والتأثير. لهذا، فتقاطع التجربتين، الصوفية والشعرية حقيقة ثابتة تصل إلى درجة يمكن معها القول، إن التجربة الصوفية تجربة شعرية ، والتجربة الشعرية تجربة صوفية، إذ “لم يكن الشعر في زمن من الأزمان بعيدا عن المفهوم الإنساني العام للتصوف بوصفه استبطانا منظما لتجربة روحية، ومحاولة للكشف عن الحقيقة والتجاوز عن الوجود الفعلي للأشياء.”
وهكذا، يتبين أن بين التجربتين، الصوفية والشعرية صلة وثيقة، والدليل على ذلك، هو عمق الرابطة التي تجمع الصوفي بالشاعر. وإلى هذا الرأي يميل الدكتور عاطف جودة نصر إذ يقول: “التصوف والشعر كليهما لا ينتميان لنسقين مختلفين. ففي التجربة الصوفية أو التجربة الشعرية على حد سواء، نحصل على ضرب من الجد المكثف، وننخرط بواسطته في وعينا الداخلي الذي لا يفتأ يدخل في الاتساع والنمو والتمدد، ونطرح ما كنا منغمسين فيه من تفاهة الحياة اليومية وابتذالها.”
من خلال هذه القولة، يظهر عدم اختلاف التجربتين الصوفية والشعرية.. ومن ثمة، انطلق الشاعر الصوفي يبحث عن وقود ذلك الجموح، ووسائل التعبير عما يحس من عواطف، فاهتدى بروحه وقلبه ووجدانه إلى الشعر يتوسل به.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

عشرة + 17 =

زر الذهاب إلى الأعلى
MCG24

مجانى
عرض