
الأضحية وأحكامها
عبد الرحمان سورسي
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد اللَّه كما ينبغي لجلال وجهه ولعظيم سلطانه، والصلاة والسلام على سيد الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فهذا فصل نذكر فيه بعض ما يتعلق بأحكام الأضحية في مذهب إمامنا مالك – رضي الله عنه – تحت عنوان: ((( الأضحية وأحكامها)))
ايها الإخوة والأخوات، في هذه الأيام المباركة نستنشق نفحات مبشرات تذكرنا بهذه الكلمات التي أسعدنا الله لتقديمها انطلاقا من حديث أنس بن مالك المتفق عليه، قال: «ضَحَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ أَقْرَنَيْنِ، ذَبَحَهُمَا بِيَدِهِ، وَسَمَّى وَكَبَّرَ، وَوَضَعَ رِجْلَهُ عَلَى صِفَاحِهِمَا».
وإليكم المسألة الأولى ألا وهي تعريف الأضحية لغة واصطلاحا .
الأضحية لغة: جمع أُضْحِيات وأضاحٍ، وهي الشاة التي يضحى بها، وبها سمي يوم الأضحى، قال القاضي: وقيل: سميت بذلك لأنها تفعل في الأضحى، وهو ارتفاع النهار،
والأضحية اصطلاحا: هي إسم لما يذبح أو ينحر من النَّعم، تقرباً إلى اللَّه تعالى، في أيام النحر،
المسألة الثانية في مشروعيتها ،
ثبتت مشروعية الأضحية بالكتاب والسنة والإِجماع.
فأما الكتاب – قوله تعالى: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ } [الكوثر: 2] أي: وانحر هديك أو أضحيتك, قاله ابن جبير وعكرمة ومجاهد وقتادة.
وأما السنة – حديث أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «مَنْ كَانَ لَهُ سَعَةٌ، وَلَمْ يُضَحِّ، فَلَا يَقْرَبَنَّ مُصَلَّانَا» .اهـ وفي رواية: { مَنْ كَانَ لَهُ مَالٌ }،……..
ومن الاجماع، ما حكاه ابن المنذر في كتابه “الاجماع” عن الأوزاعي أنه قال: “قد كان المسلمون يضحون في بلاد عدوهم، فإذا كانت نسكا شاة شاة عن كل رجل، فلا أعلم بذلك بأسا.اهـ
وجاء في ((فتح الباري شرح صحيح البخاري)) : ولا خلاف في كونها من شرائع الدين.اهـ
وقد شرعت الاضحية في السنة الثانية من الهجرة، وأجمع المسلمون على مشروعيتها.
وأما فضلها فقد قال الإمام ابن العربي في “العارضة”: [ليس في فضل الأضحية حديثٌ صحيحٌ،
المسألة الثالثة في حكمها :
الأضحية سنة مؤكدة عيناً على كل من توفرت فيه الشروط التالية:
1- أن يكون حراً، ولو يتيماً أو مسافرا، ذكراً أو أنثى، والمخاطب بفعلها عنه وليه من ماله. وتسن للحر عن نفسه وعن أبويه الفقيرين وعن أولاده الذكور (دون البلوغ) وعن بناته الغير متزوجات (ولا تسن عن زوجته) وعمن ولد يوم النحر وأيام التشريق.
2- أن لا يكون حاجاً (لأن الحاج عليه هدي) .
3- أن لا يكون فقيراً، أي أن لا يحتاج إلى ثمنها في ضرورياته في عامه،
ايها الإخوة والأخوات : بهذه الأدلة النقلية والعقلية نعلم أن الأضحية سنة مؤكدة من سنن الإسلام للقادر عليها.
قال مالك: “الأضحية سنة وليست بواجبة، ولا أحب لأحد ممن قوي على ثمنها أن يتركها”. (الموطأ)
والدليل على أنها سنة وليست بواجبة، ما أخرجه مسلم من حديث أم سلمة، أن النبي ﷺ قال: “إذا رأيتم هلال ذي الحجة وأراد أحدكم أن يضحي فليمسك من شعره وأظفاره“، فقوله ﷺ : “أراد أن يضحي” دليل على أنها غير واجبة (شرح الزرقاني على الموطأ)
أما من كان قادرا عليها فتركها فإنه يُذم على ذلك، قال رسول الله ﷺ: “من وجد سعة ولم يضح فلا يقربن مصلانا ” (أخرجه ابن ماجه من حديث أبي هريرة).
فذبح الأضحية من العبادات التي أمر الشارع بها ورغب فيها.
قال تعالى: “فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَر“، والمراد بالنحر ذبح الضحايا يوم عيد النحر.
وقوله ﷺ : “ما عمل آدمي من عمل يوم النحر أحب إلى الله من إهراق الدم، إنها لتأتي يوم القيامة بقرونها وأشعارها وأظلافها، وإن الدم ليقع من الله بمكان قبل أن يقع من الأرض فطيبوا بها نفساً” (رواه الترمذي من حديث عائشة).
ولذلك نقول اشتراؤها وذبحها أفضل من التصدق بثمنها، فقد سأل ابن القاسم مالكا كما في المدونة: فقال مالك “لا أحب لمن كان يقدر أن يضحي أن يترك ذلك” (المدونة).
المسألة الرابعة: وقت الذبح.
قال الحافظ بن عبد البر: لا خلاف بين العلماء أن من ذبح أضحيته قبل أن يغدو إلى المصلى ممن عليه صلاة العيد، فهو غير مضح، و أنه ذبح قبل و كذلك من ذبح قبل الصلاة و إنما اختلفوا فيمن ذبح بعد الصلاة و قبل ذبح الإمام”
- والذي عليه علماؤنا أنه لا يصح الذبح إلا بعد ذبح الإمام.
قال ﷺ: “إن أول ما نبدأ به في يومنا هذا أن نصلي ثم نرجع فننحر، من فعل فقد أصاب سنتنا و من ذبح قبل فإنما هو لحم قدمه لأهله، ليس من الشك في شيء” (البخاري)
-و في حديث جابر: “صلى بنا النبي ﷺ يوم النحر بالمدينة فتقدم رجال فنحروا، وظنوا أن النبي ﷺ قد نحر فأمر النبي ﷺ من كان نحر قبله أن يعيد بنحر آخر ولا ينحروا حتى ينحر النبي ﷺ” (م)
و قال معمر عن الحسن في قول الله عز و جل :” يأيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله” نزلت في قوم ذبحوا قبل النبي ﷺ فأمرهم أن يعيدوا.
و لذلك نقول أن الذبح يبدأ بعد الصلاة و بعد ذبح الإمام.
فإن كان الإمام يحضر أضحيته ويذبحها في المصلى فلا ينبغي لأحد أن يذبح قبله، وسئل مالك عن ذلك قال لا يجزئهم أن يذبحوا قبل الإمام ،
أما من كان في البادية و لم يكن بحضرة إمام فإنه يتحرى صلاة أقرب إمام إليه وذبحه. المنتقى (ج4 ص121). فإن تحرى في ذلك وأخطأ فتبين له أنه ذبح قبل الإمام ففي المدونة قول ابن القاسم أنه يجوز له ذلك ولا إعادة عليه.
- وكذلك إذا لم يكن للإمام أضحيته فإن الناس يذبحون بعد الصلاة بقدر ذبح الإمام أضحيّته إذ “لا يكلّف الله نفسا إلا وسعها”.
أيها الإخوة والأخوات: بهذا نكون قد انهينا هذا المختصر في بيان أحكام الأضحية، وأرجو الله تعالى أن يجعل لهذا العمل القبول و أن ينفع به البلاد والعباد إنه ولي ذلك و القادر عليه.
و لا يفوتني أن أشكر كل الإخوان والأخوات الذين ساهموا في نشر هذا العمل الجليل سائلا الله تعالى أن يجزيهم خير الجزاء. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.