
أدب الحجازيات في الشعر الملحون – الحلقة الأولى
إعداد : الدكتور منير البصكري الفيلالي / أسفي
تعد الرحلة إلى الديار المقدسة لأداء فريضة الحج، مظهرا رائعا وجميلا ، يأخذ بالألباب ويستولي على المشاعر والأحاسيس .. مظهر يوحي بالهيبة والرهبة والخشوع والانصراف عن ملذات الدنيا وشهواتها، والإقبال على الله تعالى في خشوع تام. ومن هنا، كان الحج إلى بيت الله الحرام وزيارة قبر الرسول عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم دعوة إلى تطهير القلب والفكر من كل ضغينة وحقد وحسد وكراهية وبغض .. مع التزود بالتقوى والفضيلة والتمسك بكتاب الله وسنة رسوله الكريم ، إضافة إلى أن موسم الحج يعد لقاء إسلامي عظيم يجتمع فيه المسلمون من كافة أرجاء الأرض ، يرفعون أصواتهم بالتلبية ويتوجهون إلى ربهم بخالص الدعوات ، راجين رحمته وتوبته والفوز برضوانه.. وقد جاءوا من كل فج عميق شعثا غبرا مبتهلين متضرعين . يقول تعالى في سورة ” الحج ”
” وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق . فما من يوم أفضل عند الله تعالى من يوم عرفة، ينزل الله ـ تبارك وتعالى ـ إلى السماء الدنيا فيباهي بأهل الأرض أهل السماء فيقول: ” انظروا إلى عبادي جاءوني شعثا ، غبرا، ضاحين، جاءوا من كل فج عميق، يرجون رحمتي، ولم يروا عذابي، فلم ير يوم أكثر عتيقا من النار من يوم عرفة. ” ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” إذا كان يوم عرفة ، فإن الله تبارك وتعالى يباهي بهم الملائكة فيقول : انظروا إلى عبادي أتوني شعثا غبرا ضاحين من كل فج عميق ، أشهدكم أني قد غفرت لهم . ”
لذلك ، فإن من أكبر النعم التي أنعم الله تعالى بها على المسلمين ، فريضة الحج ولو مرة واحدة في العمر ، يأتي الناس من كل حدب وصوب لأداء هذه الشعيرة العظيمة في مكة المكرمة ، يأتون خاشعين متضرعين متذللين ، قد تجردوا من الثياب ، ولبسوا ثياب الإحرام .
يقول ابن القيم رحمه الله : ” فلله كم به من ذنب مغفور ، وعثرة مقالة ، وزلة معفو عنها ، وحاجة مقضية ، وكربة مفروجة ، وبلية مرفوعة ، ونعمة متجددة، وسعادة مكتسبة، وشقاوة ممحوة، كيف وهو الجبل المخصوص بذلك الجمع الأعظم، والوفد الأكرم، الذين جاءوا من كل فج عميق، وقوفا لربهم مستكينين لعظمته ، خاضعين لعزته ، شعثا غبرا، حاسرين عن رؤوسهم ، يستقيلونه عثراتهم ، ويسألونه حاجاتهم ، فيدنو منهم ثم يباهي بهم الملائكة ، فلله ذاك الجبل ، وما ينزل عليه من الرحمة والتجاوز عن الذنوب العظام . ”
والحج وهو الركن الخامس من أركان الإسلام ، قد ربطه الحق سبحانه بالاستطاعة فقال:
” ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ..” فهو مدرسة تربوية ، يتلقى فيها المسلم دروسا في الطاعة والامتثال والتنظيم والنظام . ومن ثمة ، أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتمسك بآداب الحج وأحكامه ، فهو من أهم العبادات التي شرعت في الإسلام ، بما لها من آثار وبركات كثيرة . وبالتالي ، فالحج مصدر عظمة الإسلام وقوة الدين واتحاد المسلمين .