
أدب الحجازيات في الشعر الملحون – الحلقة السادسة
إعداد : الدكتور منير البصكري الفيلالي / أسفي
وهكذا ، يبدو أن الوصال بالنسبة لشاعر الملحون ، لن يتم إلا عن طريق زيارة مقام الرسول صلى الله عليه وسلم ومشاهدة نوره ، ” فلا غرابة أن يتخذ الشاعر الشعبي مديحه للنبي وصلاته عليه جواز عبور للبقاع المقدسة . ” وحين يتعسر عليه الذهاب لزيارة قبر المصطفى الكريم، وتنعدم كل الإمكانيات والوسائل امامه ، فإنه يتجه بالتوسل إلى الأولياء والصالحين ، ظنا منه أنه ـ بما لهم من جاه وبركة ـ سيتيسر له تحقيق مناه . وعلى اعتبار أن دعوة الشيخ أبي محمد صالح قد اشتهرت وذاع صيتها عند كل الناس ، فقد شكل ذلك حافزا مهما بالنسبة للشاعر ، فنظم قصائد يتوسل فيها إلى هذا الولي الصالح ، يعبر من خلالها عن حنينه إلى البقاع المقدسة والشوق لزيارتها ، وإلحاحه المستمر في أن يستجاب لرغبته . وربما أسعفه مثل هذا التعبير ، حيث وجد فيه المتنفس الوحيد الذي قد يعوض شعوره بالحرمان عما كان يعاني منه ، أي بعد أن تعذر عليه القيام بزيارة فعلية لتلك الديار. وهكذا يتوسل شاعرا لملحون الأسفي الشيخ بلحسن بالولي أبي محمد صالح في أن يزور بيت الله الحرام ويقصد مع الحجاج جبل عرفات . يقول :
برضاك جود عني واعطف يـا بـحر الـوفا والرفا
ارغب الكــريم بــي يلطـف وبمـا أفنيتــي نتـوفـــا
قاصــد امـع الـزيار نـوقـف ونكون في جبل عرفا
وهو نفس ما نجده أيضا عند الشاعر الطيبي البقال إذ يقول :
جيت الحرمك راد نغنم وانولي رابح بالدين والدنيا أحاج وافلاح
يتاج العارفين سيدي بو محمد صالح لغاث يا غوث جمع المــلاح
ويقصد الشاعر الطالب بنسعيد الأسفي سيدي عبد الرحمن المجدوب عساه يبشره بزيارة لمقام الرسول صلى الله عليه وسلم . يقول :
غارا لله جيت قاصد لك لهفان مطرود أبلا طراد من شد التمحان
يا بو لوقات سيدنا عبد الرحمن
تبشر حالي أو تفك حصري شايق لمقام من اعليه اوحى لايات
وربما تعدى ذلك إلى التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم على حد ما فعل الشيخ عبد العزيز المغراوي كما تمت الإشارة إلى ذلك في إحدى الحلقات السابقة .
يبدو مما سبق أن شاعر الملحون وهو يتوسل إلى الأولياء والصلحاء بغية الفوز بزيارة الأماكن المقدسة ، إنما ليبرز حبه وعشقه وتفانيه في حب المصطفى عليه الصلاة والسلام إضافة إلى الكشف عن حبه الدفين للبقاع الطاهرة كموطن للشعائر المقدسة التي يؤديها الحجاج .. ففيها جبل عرفات وفيها المزدلفة ومنى والكعبة المشرفة بما لها من مكانة عظيمة في الإسلام .
لهذا كله ، استشعر شاعر الملحون عظمة المكان ، كما استشعر عظمة سيد البشر وإمامهم من أدى الرسالة وبلغ الأمانة ، نبي الهدى صلى الله عليه وسلم ، يدفعه الإيمان ويحدوه اليقين ، ليثبت من خلال شعره ما يجيش في صدره من حب وهيام بغية أداء مناسك الحج . لذلك ، نلمس في هذا الشعر دعوة مخلصة وأمينة يدعو فيها شاعر الملحون إلى زيارة البقاع الشريفة ، ففيها تمسك بجوهر العقيدة الإسلامية ، مما يصون وحدة الأمة الإسلامية ويجنبها الخلافات التي يمكن أن تهز كيان المجتمع ، كما يحمي هذه الأمة من التعصب .
فالإسلام يدعو إلى وحدة الصف وجمع الكلمة ويحذر من الفرقة والاختلاف . وهذا بالأساس هو ما كان شاعر الملحون يسعى إلى تحقيقه من خلال شعر الحجازيات .