
أدب الحجازيات في الشعر الملحون – الحلقة السابعة
إعداد : الدكتور منير البصكري الفيلالي / أسفي
الملاحظ أن شعراء الملحون ، لم يؤثر عنهم أن وقفوا مكتوفي الأيدي حتى حين توصد أمامهم كل السبل والوسائل للقيام بزيارة البقاع المقدسة لأداء فريضة الحج .. وأقل ما كانوا يفعلون إزاء هذه الحالة ، وصفهم لركب الحجاج . وقد جاء هذا الوصف حاملا لكثير من المشاعر الرقيقة والأحاسيس الجياشة ، فهاجت أفئدتهم واستجابت أرواحهم شوقا وهمة وانبعاثا ، كيف وقد كرم الله تعالى البيت الحرام ، فجعله أمنا وقبلة الصلوات للمؤمنين كافة وضاعف أجر الطائعين فيه أضعافا كثيرة لا تصدر إلا عن كرمه سبحانه وتعالى .
فقد روي عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال : ” صلاة في مسجدي هذا ، أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام . وصلاة في المسجد الحرام ، أفضل من مائة ألف صلاة فيما سواه . ” وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ” الحجاج وفد الله ، إن دعوه أجابهم ، وإن استغفروه غفر لهم ” . كما روى الطبراني عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ” حجوا فإن الحج يغسل الذنوب كما يغسل الماء الدرن . ”
فالمسلمون في هذه الرحلة المباركة يتوجهون إلى إله واحد ، في وقت واحد ومكان واحد وبلسان واحد يتضرعون خاشعين لرب العالمين ، طالبين منه تعالى الصفح عما اقترفوا من ذنوب ، آملين الفوز برضوانه ودخول جنته .
كل هذا ، زاد من تباريح الشوق لزيارة البقاع المقدسة لدى شعراء الملحون المغاربة ، فنظموا شعرا أبانوا من خلاله عن حبهم العميق للرسول الكريم وتمجيدهم له صلى الله عليه وسلم ، كما أبانوا عن تطلعهم الدائم إلة زيارة قبره الشريف .
يقول الشاعر الطالب بنسعيد الأسفي وهو يصف ركب الحجاج إلى مكة المكرمة :
آ ش را من لا را بنواجل المحمــل فالهـودج تعـدل بالزايـرين وتميـل
مصـري وشامي به الفـرح تكمـــل والتونسي وطرابلسي أحفل وحمل
آ ش را من لا را مكة امنين تحمل والعبـاد أتلبـي من حبـها أتملمـــل
في ابواب الرحمة تم الدعا يوصـل تطـالب الغفـران أوزارهـا ينصــل
آ ش را من لا را حجاج حين توصل لجبـل عرفـة داك السعيـد وصـــل ..
ويبدي الشاعر الحاج الصديق الأسفي تحسره ونفاد صبره وقلة قدرته وهو يتتبع خروج ركب الحجاج إلى بيت الله الحرام . يقول :
هادوا لركاب قاصدا شور المختار ونا دمعي أعلى اخـدودي
ما لي صبر ولا اجبرت أنا مكدار قــوي هيـا اللــــه زادي
وعبر وصف جميل أخاذ ، يصف شاعر الملحون مثل هذا الركب فيقول :
يا من ابغى ايزور الطاهر ويشوف طلعت ونـــــــوارو
بالــزاد للرحيــل ايسافــر حتى يبلغ حرم اقــــــــرارو
بـالفـرح والهنـا يتباشــــر وينال بركت واســــــــرارو
لركاب عول جملا في خطرا يا سعدهم يوم يبلغوا لمزارو
وهي فرصة تتيح للشاعر مجالا واسعا ، يتخيل من خلاله وصول ركب الحجاج إلى الديار المقدسة ، واستعدادهم لأداء المناسك . فهو لا يقف عند حدود مغادرة الركب ، وإنما يعد نفسه واحدا منهم ، يتخيل أداءه للمناسك ، تماما كما يفعل الحجاج وهم يؤدون مناسكهم .
يقول الشاعر الطالب بنسعيد :
حين إوقفوا أجميع ركبها ورجـــال وعليهم نور من الغاني يتجلا
هذا بـرهان لـورى من جيل الجيـــل هذا بيت الرحيم عز وجــــــلا
هذا الحجر الأسعد عنو النور اخجيل هذي أم القرى وحرم امجــــلا
آ ش را من لا را يوم الطواف لرجال بالذكر والتهليل لهم جـــــالوا..
الحلقة الثامنة :
فأية رحلة أجمل من أن يبدأ الإنسان بأداء مناسكه بعد أن يغتسل ويتطيب ويتجرد من كل مخيط من الثياب ، وأن ينوي الحج بقلبه ولسانه ، ثم يطوف بالبيت طواف القدوم سبعة أشواط .. ثم يخرج إلى السعي من باب الصفا ويسعى بين الصفا والمروة سبعا ، ويخرج في اليوم الثامن إلى منى ويستمر فيها إلى أن تطلع الشمس ، فإذا طلعت سار متوجها إلى عرفات فيقف بها ، ويلجأ إلى الله وحده بخالص الدعاء ، ويستمر هناك إلى غروب الشمس .. فإذا غربت اتجه إلى المزدلفة يجمع منها الجمرات ويصلي فيها المغرب والعشاء جمع تأخير ، ثم يسير إلى المشعر الحرام ويدخل منى بعد طلوع الشمس ، فيرمي جمرة العقبة مكبرا ومهللا ، ثم يذبح الهدي ويحلق رأسه ، ويسير بعد ذلك إلى مكة لطواف الإفاضة .. إلى غير ذلك من المناسك الواجب القيام بها أثناء الحج .
إن شاعر الملحون بما وهبه الله من قدرة على الوصف ، استطاع أن يبرز في قصائده كيفية أداء هذه المناسك على حد قول أحدهم :
يا سعد من اوقف في عرفة لبى واطلب نعم الخافي
لخطيب راكب أمن الشرفا ادعوت جميع اتوافـــي
واصفــوف واقفا مختلفـــــا اكسات الوعر وفيافــي
بعد الغروب جاوا المزدلفا لها ايروح في موضع يعرف
القطوا احجار صغار أنظيفا
بها امكلفين بشد التكـــلاف أمنى إيجيوها بخلاك اشغيفا
فيها ايعيدوا ويكلعوا لتقاف
حلقوا وقلموا جملا في طهجا لبسوا اثيابهم ليس بقى تحراج
رجعوا ابشوقهم ونالوا بهجا
…
يا فوز من احضر في منى وغنـم بـالـرضى سلــــوان
للعيد خرجوا في تزيينــــا بعد الصلا أرجموا شيطان
وجلسوا كيف جالس انبينا أيـام جيـــم فـي تبيــــــــان …
ولا ينبغي أن يغيب عنا أن جل شعراء الملحون كانوا من الحرفيين ذوي الدخل المحدود جدا .. لذلك ، لا تتوافر لديهم الإمكانات الكافية للقيام بفريضة الحج على الرغم من شعورهم الفياض نحو بيت الله الحرام ، وكذا حبهم الدفين لنبي الهدى والرحمة . ومع ذلك نجدهم يسعون إلى التخفيف من لوعة أشواقهم ورغبتهم في تحقيق تلك الأمنية الغالية .
فيعمدون إلى اتخاذ وسيلة تقربهم من مناهم ، حيث يكتفون بإرسال مبعوث يحمل معه كتابا للرسول صلى الله عليه وسلم . وهذا النوع من القصائد يسمى : ” المرسول ” كما ذكرنا في حلقة سابقة . وهذا نموذج لابن علي المسفيوي ، يقول في مطلع قصيدته :
من الغرب أتسير بلكتاب يالمرسول وصلو لمحمد طه خاتم الرسالا ..
بعد ذلك ، يشير الشاعر على مرسوله بالطريق الذي ينبغي أن يسلكه للوصول إلى البقاع المقدسة ، مع تحديد دقيق لكل المحطات التي يمكنه أن يتوقف بها . فهو في البداية يوصيه أن يتجنب الصحراء لقلة الماء وصعوبة الطريق ، كما ينصحه أن يسلك طريق الساحل وأن يظل مع ركب الحجاج .. يقول :
لا تفرق الحجـاج اتنـال كل تقـــــراب في اجمعهم تدرك لمراد دون ريبا
جنب الصحرا تنجا من هول واشغاب قلت الما فيها واطريقها اصعيبــــا
أعلى اطريق الساحل تغدا وصغ للقول رايد النصحك بحديثي افد لمقـــالا
واش رشفوا من لا رشفوا أفخير لبيــار بير زمزم لعذيب امطهر السيــاري