سلايدرما وراء الخبر

رب ضارة نافعة

محمد التويجر

قوة الأمم وذكاؤها يقاسان بقدرة شعوبها على التأقلم السريع مع المستجدات، وتحويل الشدائد إلى مرقاة لتنقية ذواتها من الشوائب التي علقت بها، والاستفادة من أخطاء الماضي، أملا في تحقيق انطلاقة جديدة مستشرفة للمستقبل بقيم ومبادئ مغايرة.
من حسنات مجابهة البشرية، في هذه الظرفية العصيبة لعدوها المشترك “كورونا”، أنها منحتها فرصة لا تعوض للوقوف على نواقصها وأخطائها، واكتشاف أن الحسابات الإيديولوجية التي قسمت في السابق العالم إلى معسكرين ليبرالي واشتراكي، قبل أن يتوارى الأخير مرغما أمام سطوة الأول، كلها حسابات مغلوطة يجب تصحيحها، ما دام أن الجميع مستقل للمركب ذاته، وفي حالة حلول الكارثة، سيكون الغرق والاندثار مصيره المشترك.
المغرب جزء من المعمور، والأكيد أن هذا هذا الفيروس القاتل في صمت، أيقظ بدواخل الحاملين لشرف جنسيته، قيما شكلت في السابق قوة الأجداد وتباهيهم بين الأمم : التكافل والتضامن. فلم لا نجعل منهما منهجا سلوكيا في تعاملنا اليومي، ليس فقط في الحال، بل حتى المآل، إذا وفقت جهود القيمين على حماية هذا الشعب في الخروج من هذه المعركة بأخف الأضرار.
للأسف، وجدنا أنفسنا منقسمين إلى فئتين: واحدة مشدودة إلى الماضي والسير على خطى السلف الصالح، عيبها أنها سقطت في فخ الابتعاد عن المحجة البيضاء التي تركها لنا سيد الخلق محمد صلى الله عليه وسلم صادقة نقية، محصنة من أي غلو أو تحريف، وثانية منغمسة في اتباع النماذج الغربية الجاهزة المرتكزة على الأنا وحب الذات. والنتيجة أننا صرنا مبتعدين بلا شعور عن مفاهيم متأصلة ضاربة في العراقة والقدم، من قبيل الجماعة والتويزة و”شرط فقيه الدوار” واللمة والأخذ بيد المحتاج ، كذاك الغراب المنبهر بمشية الحمامة ….حاول المسكين التشبه بها، لكنه خرج في متم التجربة خاوي الوفاض، أسير منزلة بين منزلتين، غير متقن لمشية الحمامة ، ناسيا مشيته .
تنظيف الذات من الداخل سلوك وتدريب موصولان، والأمل أن ينبلج بعد هذا الاختبار فجر مغرب جديد، ينتقي مواطنوه من التجارب الناجحة ما ينسجم مع دينهم ، أصالتهم وقيمهم المثلى، دون إغفال حقهم المشروع في الانفتاح على ما يفيد أجيالهم المتعاقبة ، مغرب جاعل من المواطن منطلق كل استراتيجياته.
في مثل هذه الأزمات، يلمس المرء فجأة أن كل الأبواب والمخارج قد صدت في وجهه…لا المال ولا الجاه مجديان، ووحدهما التلاحم وتغليب مصلحة الوطن سبيلاه لضمان البقاء.
حقا أن للكوارث حسنات ….فرب ضارة نافعة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اثنان + عشرة =

زر الذهاب إلى الأعلى
MCG24

مجانى
عرض