تأملات

الرضا بالقضاء والقدر خيره وشره

عبد الرحمان سورسي 
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، وصفيه وخليله، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح للأمة، وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين، صلوات الله وسلامه عليه.
أما بعد:
فإن الحياة الطيبة مطلب لكل إنسان في هذه الحياة. ولذالك نجد السعادة والطمأنينة والراحة ينشدها جميع البشر ولها مصادر، ومن أهم مصادرها: الرضا عن الله فيما يكتبه على عبده من الأقدار، فمن رضي عن خالقه فيما قدره عليه في علمه السابق الأزلي عاش عيشة هنيئة كريمة طيبة: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً) [النحل: 97] حياة هنيئة، حياة كريمة.
-تعريف القضاء والقدر لغة وشرعا:
يطلق القدر على الحكم والقضاء أيضًا، ومن ذلك حديث الاستخارة “فاقْدُرُه ويسرّه لي” . والمعنى الشرعي للقضاء والقدر: هو تقدير الله تعالى الأشياء في القدم، وعلمه سبحانه أنها ستقع في أوقات معلومة عنده، وعلى صفات مخصوصة وكتابته سبحانه لذلك ومشيئته لها ووقوعها على حسب ما قدرها جلّ وعلا و خلقه لها.
وبعبارة أخرى فالرضا هو سكون القلب لقديم اختيار الله لعبده، ينظر إلى ما كتبه الله فيرضى بصحته، يرضى بماله، يرضى بولده، يرضى بخسارته، ويرضى في كل شؤون حياته، أما من اعترض فقد فاته الأجر والثواب من عند الله، وعاش في هم وغم لا يعلم به إلا خالقه، فيفوته الأجر والثواب ويحصل له الألم؛ لأن قدر الله لازم، فإن رضي به العبد جرى عليه القدر وهو مأجور، وإن لم يرض جرى عليه القدر وهو مأزور. ومراتب القدر أربع، كما هو ظاهر في التعريف: العلم، الكتابة، المشيئة، الخلق والتكوين .
-أدلة القرآن على وجوب الإيمان بالقدر،
فهو في قوله سبحانه وتعالى:”إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ” (القمر: 49). وفي قوله جل وعلا: “سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًامَّقْدُورًا” (الأحزاب، آية 38)؛ أيّ قضاء مقضيًا، وحكمًا مبتوتًا وهو كظل ظليل، وليل أليل،
-الأدلة من السنة النبوية على وجوب الإيمان بالقدر في حديث جابر بن عبد الله ـ رضي الله عنهما ـ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يؤمن عبد حتى يؤمن بالقدر خيره وشره من الله، وحتى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه وأن ما أخطأه لم يكن ليصيبه.والرضا -يا عباد الله- اختلف أهل العلم في حكمه على قولين: منهم من قال بوجوبه، ومنهم من قال باستحبابه، وأن الإنسان إذا قدر الله عليه شيء يجب عليه أن يرضى به.
أيها الإخوة والأخوات:
إن هذه الحياة فيها من الابتلاءات والامتحانات ما الله به عليم، وهي دار ابتلاء وامتحان.
وإن مما يساعد المسلم على أن يرضى بقدر الله: أن يسأل الله أن يمن عليه بهذا العمل القلبي العظيم؛ لأن الرضا عمل قلبي، نعم، يتألم الإنسان في بدنه وما يصيبه والألم لا ينافي الرضا عن الله، ولا يحصل به التسخط على قدر الله، فالمريض يشرب الدواء وهو كاره له لكنه راض، ذهب إلى الطبيب وأخذ العلاج بنفسه؛ لأنه يعلم أنه سبب لشفائه من هذا المرض.
ولقد نعلم  أن الله قدر المقادير، يلجأ المسلم إلى خالقه ويسأل ربه أن يصرف عنه السوء والبلاء، يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: “لا يرد القضاء إلا الدعاء“.
ونبينا -صلى الله عليه وسلم- كان من دعائه: “اللهم إني أسألك الرضا بعد القضاء“؛ لأن الرضا قبل ذلك، أو أن الإنسان يتحدث عن الرضا قبل أن تنزل به النازلة .
لذلك؛ أكثر الناس وأشدُّهم إيماناً أشدُّهم ابتلاء، إنهم الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، (“الْأَنْبِيَاءُ، ثُمَّ الصَّالِحُونَ، ثُمَّ الْأَمْثَلُ فَالْأَمْثَلُ، يُبْتَلَى الرَّجُلُ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ؛ فَإِنْ كَانَ فِي دِينِهِ صَلابَةٌ، زِيدَ فِي بَلَائِهِ، وَإِنْ كَانَ فِي دِينِهِ رِقَّةٌ، خُفِّفَ عَنْهُ، وَمَا يَزَالُ الْبَلَاءُ بِالْعَبْدِ، حَتَّى يَمْشِي عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ وَمَا عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ”). رواه ابن ماجة: (4023)، فالأنبياء أشد ابتلاء.
ولو نظرنا إلى نبيّ الله أيوب عليه السلام؛ لقد مكث ابتلاؤه بضعةَ عشر عاماً، أكثر من سبعة عشر عاماً وهو في البلاء، البلاء في أهله، في أولاده، في ماله، وأخيراً في صحته وجسمه وبقي لسانه، فهو يشكر الله، ويحمد الله ويصبر على ما ابتلاه، وبعد انتهاء الامتحان الذي دام بضعة عشر عاماً رجعت إليه صحته، ورجع إليه أهلُه ومثلُهم معهم، وأصلح الله له زوجه، لا تأتي النتائج أثناءَ الامتحان، نتيجتُك لا تأخذها أثناء الامتحان، وإنما بعد انتهاء الامتحان، كيف أنت؟ كيف إيمانك يا عبد الله؟ كيف صبرك وشكرك؟
اللهم إني اسألك الرضا بعد القضاء، واسألك برد العيش بعد الموت، واسألك لذة النظر إلى وجهك، والشوق إلى لقائك، في غير ضراء مضرة، ولا فتنة مضلة.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

ثلاثة × 2 =

زر الذهاب إلى الأعلى
MCG24

مجانى
عرض