تأملات

قصة سيدنا سليمان مع الهدهد

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله الصادق الوعد الأمين وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا إلى بوم الدين.
أيها السادة والسيدات:
بعد سلسلة من الحلقات نتوقف مع أشهر القصص في القرآ ، ونلقى الضوء عليها تحت عنوان :
(قصة سيدنا سليمان مع الهدهد )
 انطلاقا من قوله تعالى في سورة النمل.
“ووهبنا لداود سليمان نعم العبد إنه أواب”
هو سليمان بن داود عليهما السلام وقد ورث سليمان داود: ورثه في النبوة والملك ليس المال لأن الأنبياء لا يورثون وإنما تكون أموالهم صدقة من بعدهم للفقراء والمحتاجين. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم “نحن معشر الأنبياء لا نورث” ولقد أعطى الله سليمان عليه السلام ملكا عظيما لم يعطه أحداً من قبله ولن يعطيه لأحد من بعده إلى يوم القيامة. فقد استجاب الله تعالى لدعوة سليمان «رب اغفر لي وهب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي û لقد سخر له أمرا لم يسخره لأحد من قبله ولا بعده فقد سخر الله لسليمان عليه السلام الجن وكانت تعمل طبقا لتعليماته وأوامره. كانت تصنع تماثيل عظيمة وقدورا لطعام الجنود والعمال وأنعم الله على سليمان بنعمة أخرى «وأسلنا له عين القطر û والقطر هو النحاس المذاب مثلما أنعم على والده داود عليه السلام بأن ألان له الحديد وعلمه كيف يصهره ، وقد استفاد سليمان من النحاس المذاب فائدة عظيمة فى الحرب والسلم.
كان سليمان يتكلم مع الطيور ويوظفها فى خدمته. يقول رب العزة والجلال في كتابه العزيز:
 وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ (20)لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ (21) فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ (22) إِنِّي وَجَدتُّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ (23) وَجَدتُّهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِن دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ.
 كان سليمان عليه السلام يتفقّد جنده باستمرار، وعندما لاحظ غياب الهدهد دون علمه وإذنه أقسم على تعذيبه إن لم يأته بعذرٍ عن تغيبه، وقد كان ما أخَّره عن مجلس سليمان أنّه شاهد خلال طيرانه قوماً يعبدون الشمس، فتقصَّى أخبارهم، ثم بادر إلى سيدنا سليمان ليعلِمه بما سمع ورأى من قوم سبأ. حين أخبر الهدهد سيدنا سليمان بأمر قوم سبأ وصفه له وصفاً دقيقاً، ونقله له بوضوحٍ تام، بعد تيقُّنٍ من المعلومة واطِّلاعٍ على تفاصيلها؛ حيث ساءه ما رأى في هؤلاء القوم من عبادة غير الله، فما زال يراقبهم ويتتبّع أخبارهم حتى أدرك جميع ما يكتنف القوم، وماذا يعبدون، ثم اقترح على سيدنا سليمان الحلَّ بأسلوبٍ لبقٍ مهذب.[٨] رسالة سليمان إلى ملكة سبأ بعث سيدنا سليمان عليه السلام كتاباً إلى ملكة سبأ ليرى هل كان الهدهد صادقاً في ادعائه أم لا، وقد تضمّن الكتاب دعوة قوم سبأ إلى الإيمان بالله والخضوع لأمر سليمان، فأخذت ملكة سبأ كتاب سليمان فقرأته ثمّ جمعت وزراء مملكتها وأكابر قومها وشاورتهم فيما استجدّ وما جاء فيه كتاب سليمان، فأخذتهم العزة بالإثم وأشاروا عليها بقتال سليمان وعدم الركون له؛ إلّا أنّ ملكة سبأ كان لها رأيٌ مخالف؛ حيثُ علمت أنّ صاحب الكتاب ليس كأي ملكٍ أو سلطان، وعرضت على وزرائها وحاشيتها أن ترسل هدية لسليمان تستعطفه بها وتستجلب مودته، ومن خلال تلك الهدية تعرف مدى قوة سليمان وجنده بعد أن يحمل تلك الهدية زمرةٌ من رجالها الأشداء، فينظروا ما وصل إليه ملك سليمان، ثم بعد ذلك تُقرّر هي ما سيكون الأمر إليه بشأن كتاب سليمان.[٩] هدية ملكة سبأ أرسلت ملكة سبأ الهدية مع قوةٍ من رجالها، وكانت الهدية تتكون من الحليّ والجواهر الثمينة، حتى إذا وضعوا تلك الجواهر والنفائس بين يدي سيدنا سليمان رفضها، وأظهر عدم حاجته لها، ثم توعّد مملكتهم بإرسال جنودٍ لا قِبَلَ لهم بها حتى يُخرجهم من بلادهم صاغرين، فعاد رسل ملكة سبأ وأخبروا بما حصل لهم، ووصفوا لها قوّته وعظمة ملكه ونيته الوشيكة على غزو مملكتهم، فبعثت حينها إليه تُخبره بأنها ستقدم إليه وتنزل تحت إمرته بعد أن تنظر إلى ما يدعو إليه، وسارت نحو سليمان عليه السلام برفقة جيشٍ عظيم.[٩] عرش ملكة سبأ لما علم نبي الله بقدومها إليه، أمر رجاله بتشييد قصرٍ لها، ثم أراد أن ياتي بعرشها إلى قصره حتى ترى مظاهر قوة سليمان وعظمة ما وصل إليه ملكه، وليكون جلوسها في الصرح دليلاً على نبوته؛ حيث تركته في قصرها واحتاطت عليه بالحرس والأبواب المؤصدة والجنود، فأمر سيدنا سليمان جنوده وخواصه بأن يأتوه بعرش ملكة سبأ بأقرب فترةٍ ممكنة، فتطوّع عفريت من الجن على إحضاره بمدةٍ قصيرة، فقال آخَر من جند سليمان: (أنا آتيك به قبل أن يرجع إليك بصرك إذا نظرت به إلى أبعد غاية منك ثم أغمضته)، وكان كما قال حيث ظهر عرش ملكة سبأ بعظمته وما به من حليّ أمام سليمان.[٩] أمر سليمان -عليه السلام- جنوده بتغيير بعض المعالم في عرش ملكة سبأ ليمتحنها هل تعرفه أم لا، فلما نظرت إليه قالت كأنّه هو، وهذا من غزارة فهمها؛ حيثُ استبعدت أن يكون هو؛ حيث تركته مشيّداً بالحراس والأبواب شديدة الإغلاق، ويبعد في المسافة عن مكان وجود سليمان؛ مما يعني استحالة نقله بهذه الصورة وبهذه الفترة، فأرضية العرش بلورية، والأسماك تجري من تحته بصورةٍ إبداعية، وهو يشبه عرشها إلى حدٍ كبير، مع أنّها تركت قصرها وفيه عرشها محاطٌ بالجنود والحرس، فلما سألها سليمان عنه قالت: كأنه هو لصعوبة نقله واستحالة ذلك، كما أنّ من الإعجاز أن يكون شبيهاً به لما فيه من تقاربٍ في الشكل والتصميم،
وختاما نسأل الله العلي العظيم أن يجعل أعمالنا واعمالكم خالصة لوجهه الكريم. إنه ولي ذالك والقادر عليه.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين.
عبد الرحمان سورسي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

16 + اثنا عشر =

زر الذهاب إلى الأعلى
MCG24

مجانى
عرض