سلايدرما وراء الخبر

“التصرفيقة” المفترى عليها

محمد التويجر

صعود مؤشرات الإصابة بفيروس كورونا في الأيام الأخيرة بشكل صاروخي لافت، يؤكد أن المغرب دخل مرحلة دقيقة في حربه مع هذا كائن غير مرئي زلزل العالم أجمع…مرحلة تستوجب حيطة وحذر شاملين، أساسهما تفادي ارتياد الأزقة والشوارع إلا للضرورة القصوى، ما دام أن الفيروس الكامن بأجسام المصابين المحتملين تجاوز فترة الخمول، ليخرج إلى العلن مهددا كل من يدور في محيطه.
إن طبيعة تعاملنا مع هذه الفترة الحساسة، الممتدة على أسبوعين، جد مؤثرة في تحديد معالم نتيجة جائحة، لا يتوانى البعض في تسميتها بالحرب العالمية الثالثة، لأنها مست حتى الآن قرابة 200 دولة، غير مميزة بين فقيرها وغنيها. فإما تكلل بالنجاح جهود جنود الخفاء الذين ضحوا بكل غال ونفيس، معرضين سلامتهم وسلامة أهلهم للخطر المحدق من أجل أن ننعم بالأمن والسلامة، وإما حولنا بلادنا إلى مقبرة مفتوحة، يتجول فيها شبح الموت بخيلاء، حرا طليقا، شاهرا منجله يترصد مئات الأرواح، على غرار ما فعله بدولنا الجارة.
من هذا المنطلق، وجب التسلح بكثير رزانة والتزام لتيسير مهمة القيمين على الشأنين الأمني والصحي، حتى نتجاوز هذا الاختبار الصعب بأقل الأضرار. أما المتهورون الذين يبخسون جنود الخفاء جهودهم، عبر التسكع في الشوارع وعدم الانصياع للتعليمات، واحترام مقتضيات حالة الطواريء الصحية، فالصرامة هي الحل، انسجاما وأن الكي يكون أحيانا آخر علاج. ما دام أن كل من يمتلك ذرة عقل مقتنع بأننا نستقل ذات السفينة، فإما النجاة وإما الغرق، مع تحميل الأجيال القادمة تبعات تهور بعضنا.
ولأن الشيء بالشيء يذكر، أعجب لبعض المتحصنين خلف حواسبهم، الهائمين في عوالم المدينة الفاضلة التي لا وجود لها سوى في مخيلتهم، الذين لم تستوقفهم قط تضحيات المرابطين في الصفوف الأمامية للمعركة وحسهم الوطني، وطريقتهم الجديدة في تدبير الأزمة وتحسيس مخاطبيهم بخطورة الظرفية..هؤلاء لم تثرهم سوى بعض المواقف المعزولة لرجال سلطة، معدودين على رؤوس الأصابع، فقدوا صدفة برودة أعصابهم، بعدما اصطدموا بعصاة يقاومون التعليمات.
لم يقدروا دلالة خطاب الإقناع المستعمل، ولا تصرف قائدة آسفي المتحضر ( وغيرها كثير..)، لكنهم بالمقابل رفعوا قريحتهم مسخرين أقلامهم وشاشات لواحاتهم تنديدا وشجبا واعتراضا على “تصرفيقة”، بدعوى نكوص جلي في احترام حقوق الإنسان.
بعيدا عن المزايدات وخدمة الأجندات الخارجية…كلنا مع احترام حقوق الإنسان، رافضون العودة إلى غابر السنوات. وحتى الدولة بمختلف هياكلها قطعت الطريق على من يتاجر بالوطن وقضاياه، بعدما سارعت إلى طي الملف والتصالح مع ذاتها ومحيطها، وتعويض المتضررين من السلوكات البائدة، والحرص على أنسنة تعامل أجهزتها المشتغلة في الجانب الأمني.
دعونا نعكس الآية، ونضع المنددين بالتصرفيقة المعزولة مكان رجال الخفاء الذين لا يغمض لهم جفن هذه الأيام…بالله عليكم، كيف كنتم ستتصرفون في ظرفية مثل هذه، وأمام متنطعين غير مبالين بالخطر المحدق؟
ثم ألا تتابعون اللقطات الوافدة من فرنسا وإسبانيا وأمريكا نفسها؟ هي ذات الحالات وردات الفعل، دون أن نلمس لدى إعلامهم وجمعياتهم مغالاة في التفاعل معها، لأنها بكل بساطة حالة طارئة، تستلزم تعاملا وقانونا خاصين، وانخراطا شموليا قصد محاصرة عدونا الموحد الأوحد ومنعه من الانتشار….وبعد انكشاف الغمة ( آمل أن تكون خسائرها خفيفة هينة)، سنتفرغ جميعنا إلى تقييم مواقف وسلوك كل واحد من أبناء المجتمع، ودرجة تعامله وتضحيته أمام الجائحة، كي يبقى وطننا سليما معافى، صامدا أيضا أمام كل أشكال الاختراق والمزايدة والمتاجرة بالمباديء…حينها، سنلمس – بكل تأكيد – أن البعض افترى كثيرا على تصرفيقة معزولة، محملا إياها أكثر ما تستحق.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

واحد × 2 =

زر الذهاب إلى الأعلى
MCG24

مجانى
عرض