ثقافة

الطفل الكبير حسن ، يعبر خيوط العنكبوت إلى أحجيات درب مولاي الشريف.

"الحي المحمدي.. وجوه وأمكنة"

عبد اللطيف أفلا

يمر الماضي الجميل سالبا معه الصبى والبراءة، وساحبا الأنوار والألوان، فنمضي ادراجنا بتتابع الأيام، إلى زمن يحجب عنا دموع الحب وأنس الغجر، ويرفع شقاوة الطفولة بلذات الحرية إلى رفوق الذاكرة فوق النسيان، ونحن نُساقُ قسر إرادتنا صوب حفار القبور، وفي صدورنا ذكريات ماضينا حية تتلألأ كوميض البرق، دون أن تبرح ألبوم صور الوجوه والأمكنة..
في زمن المفروض واقع، ينبش وليد الحي المحمدي، الطفل الكبير، الأديب والإعلامي والناقد حسن نرايس، في ركام ماضي مهده، بروعة المكان وجمال الوجوه، فيُرتبها في مخيلته كما كانت في صباه، وهو يلهو مشيا وركضا في ممرات درب مولاي الشريف، ويمرح في “تيران الحفرة”، ويشرب من “عوينة شامة”، بل ويحوم حولها عشقا وصبابة في لحظة او لحظات..

“الحي المحمدي، وجوه وأمكنة –محكيات و بورتريهات-“، كتاب ثقيل للأستاذ حسن نرايس، يفيض من الحنين والشوق لماضي الحي العتيق، الحي المحمدي، حيث سعادة جيران الحومة، تفوح بعبق الصدق والمودة، والخير والمحبة والأمان، و”عار الجار على جارو”، ولأنها أحداث وأمكنة، وشخصيات ومشاهد لا تتكرر، ولن تتكرر، فقد شملها الكاتب حسن بعنايته وادخلها التاريخ كحكايات المساء.. كان يا مكان..

حسن الذي نفض الغبار عن ركام ماضي الحي المحمدي، من خلال ذكره لكثير من الوجوه التي حفرت عميقا في عقله الباطن، اكثرهم فنانون دخلوا التاريخ، كمجموعة ناس الغيوان، وذلك بطي أمكنة تحكي وتحاكي في زقق درب مولاي الشريف، دون أن تتواري وجوهها بعيدا عن مخيلتنا لحظة واحدة، كالفنان التشكيلي محمد تيسلى، الذي غاص في غور العقل العاطفي لحسن نرايس وفي نفس المكان الذي لا يزال يسحبه بطاقاته إلى حيث هو يشاء.

محكيات وبورتريهات أعاد بها الكاتب أقرانه وأجيال الستينات والسبعينات، وكذلك الثمانينات بدرب مولاي الشريف وخارجه في كل الاحياء الشعبية، إلى محطات والعابا واحتفالات، لن يفلح الذكاء الاصطناعي في إعادة صياغتها، ولن يكاد، نذكر منها، كراء البشكليطات ومول الشفنج، لعبة ديديدي ودينيفري، وشغب الدراسة بمدرسة درب مولاي الشريف،

سحر هذا الكتاب وب 240 صفحة، يدعو كل حالم إلى البحث عنه، والسفر عبر صفحاته إلى زمن ولى ولن يعود، زمن كنا فيه أسعد صغار العالم، نلتقط الابتسامة في كل الأوقات والأمكنة، نُوقَر سكان الحي والجيران، ونحترم الكبار والمُعلم والآباء والأولياء، زمن كنا نركض فيه تحت المطر فرحا بحلول فصول الرياح، ونحن نكتب الحرية والسرور بأوراق الخريف.. رغم البساطة…

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

أربعة عشر + اثنان =

زر الذهاب إلى الأعلى
MCG24

مجانى
عرض