
اشتدت حدة التوترات بين الجزائر وباريس، بعدما اتهمت الجزائرُ السلطاتِ الفرنسية بـ”التنصل الكامل من مسؤولياتها” في الأزمة الدبلوماسية المستمرة بين البلدين منذ نحو عام، ونددت بتعليق فرنسا لاتفاق الإعفاء من التأشيرة لحاملي جوازات السفر الدبلوماسية والمهمة.
وفي بيان شديد اللهجة، ردت وزارة الخارجية الجزائرية على توجيهات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الصادرة الأربعاء الماضي لحكومته بـ”التحرك بمزيد من الحزم والتصميم تجاه الجزائر”، معتبرة أن خطاب الرئيس الفرنسي “يبرئ فرنسا بشكل تام من كامل مسؤولياتها، ويُلقي باللائمة كاملة على الطرف الجزائري”، وهو ما وصفته الجزائر بأنه “أبعد ما يكون عن الحقيقة والواقع”.
وأكد البيان أن الجزائر “لم تبادر يوماً بطلب إبرام اتفاق يعفي حاملي جوازات السفر الدبلوماسية من التأشيرة”، مشيرًا إلى أن فرنسا هي من “بادر بهذا الطلب في مناسبات عديدة”. واعتبرت الجزائر أن قرار باريس بتعليق هذا الاتفاق يُتيح لها من جانبها إعلان نقضه “بكل بساطة ووضوح”.
وفي تصعيد إضافي، شددت الخارجية الجزائرية على أن فرنسا، ومنذ بداية الأزمة، اختارت “منطق القوة والتصعيد”، مؤكدة أنها “من لجأت إلى التهديدات والإنذارات والإملاءات”.
وكان ماكرون قد صرح في رسالة وجهها إلى رئيس وزرائه فرانسوا بايرو، ونشرتها صحيفة لوفيغارو، بأن على فرنسا أن تكون “قوية وتحظى بالاحترام”، مبررًا تشديد موقفه تجاه الجزائر بقضيتين تتعلقان بمواطنين فرنسيين حُكم عليهما في الجزائر: الكاتب الفرنسي الجزائري بوعلام صنصال بالسجن خمس سنوات بتهمة “تقويض الوحدة الوطنية”، والصحفي كريستوف غليز بالسجن سبع سنوات بتهمة “تمجيد الإرهاب”.
وطالب ماكرون الحكومة الفرنسية بتعليق رسمي للاتفاقية المبرمة مع الجزائر عام 2013 بشأن الإعفاء من التأشيرات للجوازات الرسمية والدبلوماسية.
ورغم اللهجة المتشددة، أكد رئيس الوزراء الفرنسي فرانسوا بايرو اليوم أن بلاده “لا تتبنى المواجهة الدائمة” مع الجزائر، معربًا عن أمله في “استعادة علاقات متوازنة وعادلة” في المستقبل.
وفي تطور موازٍ للأزمة، أعلنت الجزائر اليوم إنهاء امتيازات تاريخية كانت تتمتع بها السفارة الفرنسية على أراضيها، مشيرة إلى أنه تم استدعاء القائم بالأعمال الفرنسي في الجزائر لإبلاغه بالقرار.
وذكرت وزارة الخارجية أن باريس تلقت إشعارًا بإعادة النظر في عقود الإيجار المبرمة بين السفارة الفرنسية ومؤسسات الترقية والتسيير العقاري الجزائرية، والتي كانت “تتسم بشروط تفضيلية”، على حد تعبيرها.
ودعت الجزائر الجانب الفرنسي إلى إرسال وفد رسمي للشروع في محادثات بشأن هذه العقود.
ووفقًا لتقرير سابق لوكالة الأنباء الجزائرية، فإن فرنسا تستأجر حاليًا 61 عقارًا في الجزائر بأسعار رمزية أو تفضيلية، من بينها 18 هكتارًا مخصصة للسفارة، و4 هكتارات لمقر إقامة السفير في العاصمة الجزائرية. وأشارت الوكالة إلى أن إيجار بعض هذه العقارات “لم يتغير منذ عام 1962”.
وشددت الجزائر على أن “البعثة الدبلوماسية الجزائرية في فرنسا لا تستفيد من امتيازات مماثلة”، مؤكدة أن الإجراء يأتي في إطار “تحقيق التوازن وترسيخ مبدأ المعاملة بالمثل في العلاقات الجزائرية-الفرنسية”.
يُذكر أن العلاقات بين البلدين شهدت تدهورًا حادًا منذ يوليو/تموز 2024، حيث تبادلت الجزائر وباريس طرد دبلوماسيين وموظفين، كما جُمّدت جميع أشكال التعاون الرسمي بين الجانبين، ما يعكس أزمة ثقة متفاقمة بين شريكين تاريخيين لطالما طغت على علاقتهما ظلال الماضي الاستعماري.