قبل تسع سنوات، وتحديداً في عام 2015، احتضنت مدينة الصخيرات مناظرة وطنية كبرى حول الرياضة المغربية، كانت بمثابة لحظة مفصلية في تاريخ الرياضة بالمغرب. لم تكن مجرد اجتماع لمناقشة الاختلالات، بل شكلت انطلاقة رؤية ملكية جديدة أعادت هيكلة السياسة الرياضية الوطنية على أسس الحكامة، التكوين، والاستثمار في الإنسان قبل المنشأة.
منذ تلك المناظرة، انطلقت ورشة إصلاحٍ شاملة قادها جلالة الملك محمد السادس شخصياً، واضعاً الرياضة، وخاصة كرة القدم، في صلب المشروع التنموي للمملكة.
تجلت هذه الرؤية في إنشاء أكاديمية محمد السادس لكرة القدم، التي تحولت إلى مصنعٍ حقيقيّ للمواهب، ومصدر إلهامٍ لعددٍ من اللاعبين الذين قادوا المنتخبات المغربية إلى العالمية.
من الرؤية إلى النتائج
لم يكن النجاح وليد الصدفة، بل ثمرة استراتيجية وطنية طويلة الأمد جمعت بين:
تأهيل البنية التحتية من ملاعب ومراكز تدريب حديثة في مختلف المدن.
إرساء منظومة تكوين احترافية تجمع بين التعليم والتأطير البدني والنفسي.
تكوين الأطر التقنية والإدارية بما يتماشى مع المعايير الدولية.
هذه السياسة أنتجت نموذجاً مغربياً متكاملاً، حيث أصبحت المنتخبات على اختلاف فئاتها مرآةً لعملٍ مؤسساتي عميق، وليس مجرد مجهودٍ ظرفي.
إنجازات متتالية تؤكد التحول
من مونديال قطر 2022 الذي كتب فيه المنتخب الأول صفحة تاريخية بوصوله إلى المربع الذهبي كأول منتخب عربي وإفريقي يحقق ذلك، إلى أولمبياد باريس 2024 حيث فاز المنتخب الأولمبي المغربي بالميدالية البرونزية، في إنجاز غير مسبوق عربياً وإفريقياً، وصولاً إلى تتويج منتخب أقل من 20 سنة بكأس العالم 2025 في تشيلي بعد فوزه المستحق على الأرجنتين بهدفين دون رد.
هذه النجاحات لم تأتِ من فراغ، بل كانت نتيجة مباشرة للاستثمار في التكوين والمواكبة، وللرؤية التي وضع أسسها جلالة الملك في الصخيرات قبل عقد من الزمن.
المغرب قوة كروية صاعدة
اليوم، بات المغرب نموذجاً قارياً في تطوير المنظومات الرياضية، وهو ما أهل المملكة لتكون مستضيفة لكأس الأمم الإفريقية 2025، ومشاركةً في تنظيم كأس العالم 2030 إلى جانب إسبانيا والبرتغال.
هذه الاستضافات ليست فقط مكافأةً على التقدم المحقق، بل اعتراف دولي بنجاح السياسة الرياضية المغربية التي جعلت من كرة القدم رافعة للتنمية والدبلوماسية الناعمة.
بين الأمس واليوم
قبل مناظرة الصخيرات، كانت الكرة المغربية تعيش على وقع فترات تألق مؤقتة تليها فترات ركود طويلة.
أما اليوم، فالمشهد مختلف كلياً: منظومة متكاملة، جيل جديد من اللاعبين والمدربين، بنية تحتية تضاهي كبرى الدول، واستراتيجية تضع المغرب في قلب الخريطة الكروية العالمية.
لقد تحوّل الحلم الذي بدأ بورقة إصلاحٍ في الصخيرات إلى واقعٍ ملموسٍ على أرض الملاعب العالمية.
الخلاصة التحليلية
إن ما يحققه المغرب اليوم من إنجازات كروية ليس مجرد تتويجات متفرقة، بل نتاج رؤية ملكية بعيدة المدى، رسخت مبدأ الاستمرارية في التكوين والتخطيط، وربطت بين الرياضة والتنمية الشاملة.
من الصخيرات إلى تشيلي، مروراً بقطر وباريس، رسم المغرب مساراً جديداً للكرة الإفريقية والعربية، عنوانه: الاستثمار في الإنسان يصنع الأبطال، والرؤية الواضحة تصنع التاريخ.