تأملات

آثار الدعاء والتعبد بأسماء الله الحسنى وصفاته العلى

عبد الرحمان سورسي

الحمد لله ذي الصفات الكاملة العليا، والأسماء الفاضلة الحسنى، خلق الأرض والسموات العلى، الرحمن على العرش استوى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في ألوهيته وربوبيته وتدبيره، ولا نظير له في صفاته ولا راد لتقديره، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الذي خضع لربه واستعان به في صغير أمره وجليله ، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الذين عرفوا الحق بدليله، وسلم تسليماً كثيرا .

أما بعد :
ففي مختاراتنا لهذا الأسبوع انتقينا لإخواننا الكرام وأخواتنا الكريمات
الموضوع الخامس على التوالي حول أسماء الله الحسنى، نطوف بين معانيها، ونستطلع آثارها في حياة العباد، ونرى بعيون أفئدتنا آثار الدعاء والتعبد بها،
إخوة الإسلام، العلمُ بالله أحَدُ أركانِ الإيمان، بل هو أصلُها وما بعدَها تبَعٌ لها، ومعرِفَةُ أسماء الله وصفاتِه أفضلُ وأوجَب ما اكتسبَته القلوب وحصَّلته النفوسُ وأدركته العقول،
والقرآنُ كلّه يدعو الناسَ إلى النظر في صفات الله وأفعالِه وأسمائه، بل ودعاء الله بها؛ ﴿ وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا ﴾ [الأعراف: 180] والله يحبُّ من يحبُّ ذكرَ صفاته، وقد بشَّر النبي صلى الله عليه وسلم الذي كان يقرَأ سورةَ الإخلاص يختم بها في قراءته في الصلوات بأنَّ الله يحبّه لـمّا قال: إني لأحِبّها لأنها صِفةُ الرحمن. رواه البخاري. وقال صلى الله عليه وسلم: (إن لله تسعة وتسعين إسما من أحصاها دخل الجنة)، قال أهل العلم: أحصاها يعني: علمها وآمن بها وعمل بمدلولها. وإليكم شرح ما تيسر من هذه الأسماء الحسنى والصفات العلى.

الحليم: الله الذي جعل لكلّ شيء مقداراً، ولا يستخفّه عصيان ومخالفة أوامره، ولا يستفزّه الغضب على مَن خالفها؛ فكلّ شيء ينتهي إليه.[٥٣] العظيم: الله الذي له منتهى العظمة ومطلقها، وذلك في ذاته وأسمائه وصفاته وأفعاله، وهي عظمة لا تعلوها عظمة، وقد ورد ذكر هذا الاسم في القرآن الكريم ستّ مرّات، ومنها قوله -تعالى-: (وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ).[٥٤][٥٥] القهّار: صيغة مبالغة من القاهر، وهو الذي قهر بقدرته جميع المخلوقات؛ فذلّت له في جميعها سواءً في العالم العلويّ أو السفليّ منها، وكل شيء بأمره؛ فجميع الخلق فقراء إليه، وثبوت هذا الوصف لله -تعالى- يقتضي كمال حياته وعزّته وقدرته، ويُعدّ دليلاً على وحدانيّته وتفرّده بالألوهيّة، وقد جاء ذكره في القرآن الكريم ستّ مرات، ومنها قوله -تعالى-: (وَهُوَ الواحِدُ القَهّارُ).[٥٦][٥٧] الرؤوف: العطوف الحنون الذي يعطف على المذنبين بالتوبة والستر، ويرحم عباده ويُخفّف عنهم؛ فلا يُحمّلهم ما يَشقّ عليهم من العبادات، قال -تعالى-: (وَاللَّـهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ).[٥٨][٥٩] اللطيف: الرفيق بعباده الذي يوصل لعبده ما يطلب برفق ولين، قال -تعالى-: (وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ).[٦٠][٦١] الحسيب: الله الذي يكفي عبده همّه وغمّه وأمور دينه ودنياه؛ فهو حسيب المتوكّلين قال -تعالى-: (وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّـهِ فَهُوَ حَسْبُهُ)،[٦٢] وهو الذي يُراقب عباده ويحفظ أعمالهم، ويتولّى حسابهم بالعدل سواءً فعلوا خيراً أو شرّاً.[٦٣] الحفيظ: الله الذي يحفظ على عباده أعمالهم من خير وشر وهذا يقتضي إحاطة علم الله -تعالى- بجميع أعمال عباده ظاهرها وباطنها، وكتابتها في اللوح المحفوظ، وعلمه بمقاديرها وجزائها ومحاسبتهم عليها بعدله، وهو الذي يحفظ عباده ممّا يكرهون، وحفظه لخلقه عام وخاص، أمّا العام فهو ما كان لجميع المخلوقات بتيسير مأكلها ومشربها وما يحفظ بنيتها ويدفع عنها المكاره والمضار، ويستوي في ذلك الخلق من مطيع وفاجر وحتّى الحيوانات، أمّا الخاص فهو ما كان لأوليائه، يتولّاهم بحفظ إيمانهم من الشُبَه والفتن والشهوات، ويحفظهم من أعدائهم ويدفع الكيد عنهم، وعلى قدر إيمان العبد تكون مدافعة الله -تعالى- عنه.[٦٣] الحقّ: الله الذي وجوده واجب ولا وجود لشيء إلّا بوجوده؛ فذاته وصفاته حقّ، وقوله وفعله ولقاؤه حقّ، ورسله وكتبه ودينه حقّ، ووحدانيته في العبادة حقّ، قال -تعالى-: (ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّـهَ هُوَ الْحَقُّ).[٦٤][٦٣] الحكم: الله الذي يحكم بعدله بين عباده في الدنيا والآخرة، فلا يُجازي عبده بأكثر من ذنبه، ولا يُحمّله وزر غيره، ولا يدع حق أحد من عباده حتى يوصله إليه، ولا يُظَلم عنده أحد مثقال ذرّة.[٦٣] الحكيم: الله الذي له الحكمة العليا في خلقه وأمره ولا يُشاركه أحدٌ في أحكامه الشرعية والقدريّة والجزائيّة؛ فهو لا يشرّع ولا يخلق أي شيء عبثاً أو سدى، ولحكمته نوعان؛ إحداهما حكمته في خلقه؛ إذ أنّه أعطى كلّ مخلوق خلقه اللائق به فكلّ جُزءٍ وعضوٍ فيه له خلقته وهيئته المُتقَنَة بأفضل نظام وترتيب، وثانيهما حكمته في شرعه وأمره؛ فقد شرع الشرائع وبعث رسله لدعوة الناس لعبادته وحده لا شريك له، وشكره وإخلاص العمل له لِينالوا بذلك السعادة والنعيم الدائمَين، ولو لم يكن في شرعه حكمة غير ذلك لكانت كافية، وقد اشتمل شرع الله -تعالى- على كلّ خير فيه صلاح دين ودنيا العباد، [٦٣] العَدل: الله الذي لا يدع للهوى في نفسه مجالاً فيميل به ويجور في حكمه -حاشاه-، والعدل هو مصدر أبلغ من العادل، وذلك يدلّ على شدّة العدل.
جعلنا الله وإياكم من الفضلاء. الصلحاء . النصحاء . الفصحاء . العلماء. الأولياء الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

واحد × خمسة =

زر الذهاب إلى الأعلى
MCG24

مجانى
عرض