
أطفالنا ليسوا بضاعة لتجارة البوز
استغلال أزمة كورونا وأجوائها النفسية العصيبة، التي تتجمد لها الدماء في شرايين كل ممتلك لذرة إنسانية، بهدف المتاجرة بالطفولة وبراءتها سلوك ينم عن انفصام غريب في شخصية من يقدم على هذا الفعل الجبان، وجهله بالقوانين الوضعية التي تحظر مثل هذه الخطوات.
أمام أخذ الظاهرة في الانتشار، بات من واجب الجهات المختصة التحرك بالسرعة والشجاعة المطلوبتين لوقف هذه الخروقات المنتهكة لحرمة أجيال الغد، بذات الجدية التي تفاعلت بها حين تحركت بعض الخنافس الإلكترونية مشككة في خطورة الوباء، منتقصة من جهود الدولة التي وضعت مصلحة المواطن في قمة هرم انشغالاتها.
لا يستقيم الوضع أن يبث موقع، صدق أنه ممتلك لحصرية اللقطات التلفزيونية اليومية لتفاعل المجتمع المغربي مع هذا الوباء الفتاك، شريطا مصورا لطفل ، قدر له أن يعيش كابوس أجواء الفيروس اللعين، كاشفة وجهه، موجهة إياه بصوت مسموع لرفع يديه وكأنه مقبل على نزال خاص أمام منافس استثنائي.
وغير مقبول أيضا أن نصور شريطا لا يقل خطورة عن الأول، بطله طفل يرتدي اللباس الرسمي للأمن الوطني، بدعوى أنه متيم بهذه المهنة الشريفة المؤطرة شروط الانتماء إليها بقانون يحدد السن والكفاءة المعرفية اللازمين للالتحاق بصفوفها.
أقر أن الكثيرين منا استهوتهم حين الصغر لعبة الشرطي واللص، وسعيد الحظ من كان يضطلع بدور العنصر الأول…لكن الوضع مختلف اليوم، فأن نسلم الطفل مكبرا للصوت، ونتركه يتجول بين الأزقة والدروب، منخرطا في تمثيل دور رجل أمن ضابط لدرجة تطبيق الحجر الصحي، بمباركة مجموعة من المعارف، فذلك سلوك غير مقبول يتحمل مسؤوليته أولا وأخيرا أهله وذووه، وكذا من سخروا اللوجيستيك اللازم لتصوير لقطات تطلبت – بل تأكيد – نصف ساعة على الأقل من المخاطرة بسلامته .
نحن – أيها السادة – في ظرفية لا تسمح لنا بالانسياق خلف البحث عن البوز واللايكات، ولا المتاجرة بالسلامة الجسدية لفلذات الأكباد وصحتهم. فالمرجو التوقف عن إتيان مثل هذه الأفعال، لأنها تضر بهم وتعرضهم للخطر المحدق، وتدفع بعضهم أيضا إلى استسهال الحياة واختزالها في كونها لعبة ميسرة المنال.
إن الفضاء الأمثل للأطفال محصور في توفير أجواء التربية السليمة والتحصيل المعرفي وبناء الذات وبلورة الملكات والمواهب عبر الأنشطة الترفيهية والرياضية، وإخراجه من هذه الرباعية المقدسة يحوله إلى فأر تجارب، نتائجها غير مأمونة .
إن الكرة في معترك مرصد حقوق الطفل، وكل الهيئات المشتغلة على هذه الفئة، وتنسيقها مع الجهات التي يخولها القانون تحريك المتابعة ضد كل من يحول الطفل إلى بضاعة، ضرورة ملحة حتى يكونوا عبرة لمن يعتبر.
في انتظار ذلك، نهمس في آذان مروجي فيديو الطفل الذي نقلته سيارة الإسعاف إلى المستشفى للخضوع إلى التحاليل المخبرية التي ستحسم في إصابته من عدمها بالفيروس الجبان، أنهم سقطوا في فخ التسرع الذي ستترتب عنه جروح لا تندمل، قد تكون لها تبعات على نفسية الطفل ذاته حين الكبر. أما عاشق مهنة حارس الأمن، فحبذا لو أطرت على أسرته ميولاته وصاحبته بالعناية اللازمة والمتابعة المستدامة، حتى يترجم حلمه مستقبلا إلى واقع….أما تحويلهما إلى سلعة قابلة للبيع والتبضيع، فيبقى خطا أحمر محرم اجتيازه.