
تضامن المغاربة “فرض عين” لا يحتاج وساطة
محمد التويجر
طبيعة الحروب هي التي تفرض على المرء اختيار تكتيك التحضير الأنسب ليكون ندا لها، متأهبا على الدوام لتغيير أسلوب التعاطي معها، في اتجاه حسمه لها
رغم أن الحرب ضد كورونا فرضت علينا قسرا وفجأة…فقد نزلت مؤسسات الدولة منذ إطلاق شرارتها الأولى، بكامل ثقلها مستنيرة بالتدبير الحكيم لقائدها وضامن وحدتها جلالة الملك، عبر خطة استباقية جنبت المغرب، بحمد الله ومنته، كارثة وشيكة، كان بإمكانها أن تزهق أرواح أزيد من 6000 فردا.
بالموازاة مع تضحيات السلطات المحلية وأجهزة الأمن بمختلف أطيافها، وكذا تغلب أطر الصحة المدنية، المشتغلة في تناغم كبير مع شقها العسكري الذي خبر مثل هذه المحن، على نواقص القطاع ، نجح مسؤولو القطاع الاقتصادي في إدارة تفرعات الأزمة بانسيابية ونجاح مثيرين للانتباه، عبر دعم الفئات الاجتماعية الهشة، وضمان تزويد السوق الداخلية بما تتطلبه من حاجيات يومية، معتمدة في كل ذلك على صندوق مواجهة الجائحة،الذي ضخت فيه، بفضل تبرع المغاربة التلقائي،في وقت قياسي بما يقارب 30 مليار درهم.
المبادرة الملكية إطلاق أبانت على نجاعتها، لكن احتمال استمرار الحرب حتى يونيو المقبل، وأوجه التدخل المتعددة قصد توفير العتاد اللازم من آليات مخبرية لتحديد الحالات المؤكدة والمستبعدة، وأسرة وأدوية وأجهزة تنفس اصطناعي، وتوفير الدعم المادي للأسر التي انقطعت فجأة سبل رزقها ،تفرض استمرار عملية ضخ أموال جديدة بذات الحماس والتلقائية. مما يفرض تفعيل الفصل 40 من دستور المملكة الذي ينص على إلزامية تحمل الجميع، بصفة تضامنية، وبكيفية تتناسب مع الوسائل المتوفرة، تكاليف تنمية البلاد، والأعباء المرتبطة بالآفات والكوارث الطبيعية التي تصيبها.
من هذا المنطلق، أمر رئيس الحكومة الجهات المختصة باقتطاع يوم واحد عن كل شهر من ثلاثية أبريل وماي ويونيو من أجور الموظفين والمستخدمين لدعم صندوق مواجهة الجائحة.
بكل تأكيد، لا اختلاف على مشروعية الخطوة، دون الحاجة إلى تعليلها باقتراح النقابات الأكثر تمثيلية، لاعتبارات عدة:
• الفكرة مجسدة لمفهوم التضامن الوطني في أبهى حلله. ولنا في التاريخ المغربي نماذج رائدة تعكس بالملموس أنه جزء من تقاليد أبنائه التليدة ( التويزة – تشييد مسجد الحسن الثاني- دعم القضية الفلسطينية- تخصيص جلود أضاحي العيد لضحايا زلزال مدينة الأصنام بالجزائر المسماة حاليا الشلف…غيض من فيض).
• أكيد أن لكل منا فردا واحدا أو أكثر ضمن الأسرة أو العائلة يستفيد من الصندوق إياه، وبالتالي من واجبنا دعم جهود الدولة لتواصل صرف تلك المنح.
• الوطن فوق كل اعتبار، ونداؤه ملبى من طرف الجميع أفرادا ومؤسسات ومقاولات، بلا قيد أو شرط. كما أن تفاعل المغاربة إيجابا، عبر وسائط التواصل الاجتماعي، مع الخطوة يعفي رئيس الحكومة من الحاجة إلى “واسطة”، كيفما كان شكلها، ما دام أن فكرة إنشاء الصندوق من بنات أفكار أب الأمة وملهمها، المنشغل بهمومها كلما عنت شدة، التواق دوما لأن يرى أبناء شعبه ملامسين لأعلى مراتب الرقي.
• نحن كلنا ذاك الرجل، ممتطون لذات المركب، أملنا الموحد العبور إلى شط الأمان سالمين….وطبيعي أن ترجمة الأمل إلى واقع تتطلب منا الكثير من التضحيات، علما أن أجرة ثلاثة أيام موزعة على ربع عام أضعف الإيمان. فلا داعي لأن تنتصب نقابات يلمس العادي والبادي أن صيتها في تراجع…الأحرى بها أن تكون مضرب المثل بالمسارعة، أسوة بالهيئات الأخرى، للمساهمة في صندوق مواجهة كورونا، بدل اكتفائها باقتراح الأقساط المقتطعة
تأسيسا على ما سبق، الظرفية الحالية غير محتاجة إلى تبرير الانتقال من تطوعية التضامن الوطني إلى إجباريته….ما دام أن المساهمة المقترحة ميسرة للجميع، غير مؤثرة على قدرته الشرائية، بالنظر إلى اعتمادها آلية “التقسيط المريح”.
تلبية نداء الوطن – السيد رئيس الحكومة، السادة الزعماء الخالدون- فرض عين، لا فرض كفاية…لذا، لا غرو أن نجد المغاربة يرددون بصوت واحد: “نموت نحن، ويحيى الوطن”.