
صدى رجالات أسفي في التاريخ – الحلقة الرابعة
إعداد : الدكتور منير البصكري الفيلالي / أسفي
إن الكانوني في كتابه هذا، لم يلتزم بمنهج أصحاب رجال الحديث مثلا، ممن أرخوا للرجال، كالخطيب البغدادي، وابن النجار البغدادي، حيث لم يراع الاسم الثاني أو الثالث، إذا تشابهت أوائل الأسماء. فقد جعل أوائل الأسماء واحدة، إلى أن تنتهي. نجد مثلا لمن يترجم له أن يسمى بأحمد وابراهيم وادريس واسماعيل، ثم يورد قسما من الكنى الواقعة أسماء كأبي شعيب وأبي موسى وأبي يعزى وأبي جمعة وأبي الذهب… وهذا ربما مما لا نجده عند أصحاب كتب الرجال كما ألمحنا إلى ذلك سابقا. فابن النجار مثلا نراه يلتزم بترتيب المترجمين وفق اسمهم الأول، ويراعي عند التشابه الاسم الثاني ثم الثالث، أي إذا تشابه اسم المترجم مع غيره، قدم من كان اسم أبيه يبدأ بحرف متقدم، فإذا تشابه الأبوان أيضا قدم من كان اسم جده يبدأ بحرف متقدم وهكذا… فإذا تشابهت الأسماء الثلاثة للمترجم مع غيره، راعى قدم الوفاة، فقدم السابق وأعقبه باللاحق. كما أن المؤلف حاول أن يتشبه بأصحاب كتب الأمالي، وبالجاحظ، في حين أن كتابه تراجم لا غير.. نراه مثلا بعد أن ترجم للقاضي أبي عبد الله محمد بن عبد العزيز الأندلسي، المدعو بابن عزوز، أورد له مقطعا من الشعر يمتدح فيه جماعة من الفقهاء الواردين على أسفي.
يقول هذا الشاعر:
يا مرحبا بالمنصـف الماجد الخيل الصفـــي
إلى أن يقول:
فمنذ وافيت أســفـي أميط عنا أسفـــــــــي
لا سيما إذ معــــكــم لـؤلــؤة فـي صــــدف
نجل الهمام المرتضى سبط الإمام اليوسفـــي
وقد أجابه أحدهم بقوله:
لله دركم بني أسفــــــــــــي فنزيلكم يشفى من الأسـف
حان الرحيل بعيد ما علقت نفسي بوصلكم فيا أسفـي
أخلاقكم كالعطر في نفـس ووجوهكم كالبدر في شرف
ثم قام آخر، وهو الأديب ابن طاهر الهواري وأنشد:
أهلا بأهـل أسفــــي من كل خـل منصـــف
أكرم من معشـــــر حازوا الجمال اليوسفـــي
سادوا الأنام كرمــــا فمثلهــم فلتعــــرف..
إلى غير ذلك من القصائد الشعرية المبثوثة في ثنايا الكتاب.
هكذا، نجد المؤلف الفقيه الكانوني يترجم لأكثر من مائة وثلاثين رجلا، الأمر الذي يدفع الباحث إلى تصنيف الكتاب ضمن كتب التراجم والسير، شأنه شأن ابن قتيبة في” الشعر والشعراء” وابن المعتز في “طبقات الشعراء” والآمدي في “المؤتلف والمختلف” وابن الجراح في” الورقة”. وعلى كثرة التراجم التي تضمنها كتاب :”جواهر الكمال في تراجم الرجال”، إلا أننا نرى أن يصنف ضمن كتب التراجم، لاسيما أن تراجم الكانوني لرجال أسفي لم تقم على منهج معين، ولكنها جاءت في معرض ألاستطراد واهتمت بجوانب معينة من حياة أولئك الذين ترجم لهم. ولو جاز لأحد أن يصنف هذا الكتاب ضمن كتب التراجم اعتمادا على كثرتها وحسب، لجاز لأصحاب النظر التاريخي أن يصنفوه ضمن كتب التاريخ اعتمادا على كثرة الأخبار والأحداث التاريخية التي وردت في الكتاب عن أسفي ورجالاته.
إن الكانوني في ترجمته لرجال أسفي، يعتمد النهج التالي.. ونأخذ على سبيل المثال، أبا العباس أحمد بن علي بن أحمد بن إبراهيم التناني الوعزوزي المدعو الصويري، فهذه الترجمة تنحل إلى الأجزاء التالية:
- اسم المترجم ونسبه ونسبته .
- روايته (أي شيوخه).
- من روى عنه (أي تلاميذه).
- حيثيثه وثقافته .
- تآلفيه
وهذه الترجمة من أصل التراجم العادية عند غير الكانوني، ونضيف إلى ذلك، التراجم القصيرة في كتابه، والتي تخلو في بعض الأحيان من تاريخ الميلاد والوفاة ومكانهما، وكمثال على ذلك المدعو الخراص
إذ نجد الكانوني قد سلك ما يسمى بالمنهج الإقليمي في واقع التراث المغربي، ولهذا المنهج أهميته، لأنه يعرفنا على الثقافة المغربية في كل أبعادها وتجلياتها المحلية والوطنية.. كما يعرفنا على غير قليل من أسماء الرجال الذين كان لهم دور مهم أثناء فترات حياتهم التي عاشوها في عصورهم المختلفة.. فقد استطاع الفقيه الكانوني رسم كل الخطوط العريضة التي يرتكز عليها تراثنا المغربي وألوانه المتنوعة، وكاد أن يجسمها تجسيما عن طريق التراجم الكثيرة التي حشدها في كتابه: “جواهر الكمال في تراجم الرجال”.. وكثير من هذه التراجم كان مجهولا، وكثير منها كان المعروف عنه قليلا، وهذا كله يهيئ مادة وافرة لتاريخ أسفي تأريخا علميا دقيقا…