
اذهب أنت وربك فقاتلا…
محمد التويجر
بعد طول مقاومة، نجح فيروس كورونا في اختراق تضاريس ممر تيشكا الوعرة، ليحط الرحال بعاصمة الفن السابع ورزازات، التي ظلت حتى الأمس القريب مستعصية ، حريصة على خلو سجلها من أية إصابة.
حلت الكارثة، ورفعت المدينة علم الاستسلام، بعدما انسل الفيروس خلسة إلى سجنها البلدي، مستفيدا من ضيق الفضاء وانغلاقه، وكثرة نزلائه، وافتقاده للنظافة المثلى، لتعم حالة هلع وسط السكان وذوي النزلاء المتوجسين من المجهول،.
حتى بلاغ المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج الصادر بالمناسبة لم يشف غليل المستفسرين عن الخلل الذي حول سجن المدينة إلى بؤرة وبائية، أمام إصرار محرره على تعويمه في بحر معطيات فضفاضة، مركزة على إجراءات المندوبية الاحترازية، لغاية حماية النزلاء كما الموظفين من آثار الجائحة، بدل التركيز على المسببات.
ومع ذلك، أكدت معطيات البلاغ الرقمية المحيلة على إصابة 207 من السجناء و63 من الموظفين، في انتظار نتيجة اختبارات 58 سجينا آخرين، أن مسؤولية إدارة سجن ورزازات في ما حدث قائمة، وتستوجب تشخيص الوقوف عند النواقص ، تجنبا لتكراره.
إن تركيزنا اليوم على بؤرة سجن ورزازات لا يعني بتاتا أننا مستصغرون للمجهود الذي بدل في السنوات الأخيرة لأنسنة المؤسسة السجنية وتحويلها إلى معبر لإعادة إدماج من قدر لهم أن يجدوا أنفسهم، لدواعي مختلفة، مسلوبي الحرية. لكن الظرفية تستلزم إثارة الانتباه إلى ضرورة محاصرة الفيروس والحيلولة دون تمكينه من توسيع لائحة ضحاياه. فالحرب الحالية استثنائية بكل المعايير، وحسمها يتطلب رباطة جأش وطول نفس، وتناغما في الأداء. وأي إخلال أو تراخ سيهد بنيان كل ما تحقق، على حين غرة.
إلى جانب العقول المدبرة، صيانة البلدان والذود عليها محتاجان إلى مواطنين متنورين مقدرين المسؤولية. وهي الميزة التي تفتقدها – للأسف – فئة مستهترة (على قلتها) غير آبهة بحساسية الوضع الحالي. والشاهد على ذلك تجاوز عدد الموقوفين خارقي حالة الطوارئ الصحية لعتبة 30000، وما يحفل به معيشنا اليومي من مشاهد تثير الشفقة والاشمئزاز:
• تهاتف بعض مصوري المواقع الذين تحولوا بسرعة البرق إلى صحافيين على أخذ لقطات توثق مغادرة المعافين لمصحات العلاج استجداء للبوز، غير مكترثين لشروط السلامة، ولا بنفسيتهم المهزوزة، جراء المحنة .
• تجمعات غير مبررة أملا في الحصول على إعانة، أو الاحتفال بأقارب جاءت تحليلاتهم المخبرية سلبية، أو التوافد على منزل ميت لتقديم واجب العزاء.
• تجول شباب طوال اليوم، بكمامة واقية مثبتة حول أعناقهم بدل أن يحموا بها أنوفهم وأفواههم في صورة كاريكاتورية، تقضح بأن خوفهم من السقوط في كمائن رجال الأمن أكبر من حرصهم على سلامتهم الصحية.
نماذج فاضحة ومثلها كثير، تؤكد أن الاستهتار والتهور عدونا الأكبر. نحن المستقلون لمركب واحد، يتهدده الغرق في أي لحظة، إذا لم نستشعر حساسية الموقف الذي تشير أرقام الحالة الوبائية إلى أننا اقتربنا من ملامسة نقطة الذروة ( جهة البيضاء – سطات تجاوزت 1000 حالة ومثيلتها مراكش – آسفي تسير على خطاها)، مما يستلزم تكثيف الرقابة والصرامة والضرب بيد من حديد على كل من سولت له نفسه تعريض سلامة البلاد إلى مخاطر نحن في غنى عنها . ويبدو أن معالم ذلك انطلقت قبل يومين من الدار البيضاء، القلب الاقتصادي النابض للمملكة، حيث رصدت تحركات مكثفة لأجهزة الأمن بمختلف أطيافها، حريصة على تطبيق القانون بلا تساهل أو محاباة، وقد أعذر من أنذر.
إن المواطنة سلوك وتقيد بالقوانين، وصيانة للحقوق والتزام بالواجبات، ومن يسبح ضد التيار سيصنف نفسه تلقائيا ضمن خانة خدام الأجندات المناوئة، التي لا تقل خطورة عن كورونا. لذا، تتطلب الظرفية الحالية من جميع المغاربة التكتل في خندق واحد، دعما لتضحيات جنود الميدان، المرابطين في الصفوف الأولى، بدل التفاعل مع الظرفية بتهور ولا مبالاة ومنطق “اذهب أنت وربك فقاتلا، إنا ها هنا قاعدون”.