ثقافة

صدى رجالات أسفي في التاريخ – الحلقة 27

 إعداد: الدكتور منير البصكري الفيلالي / أسفي

الأستاذ صالح العبدي الأسفي :
 
شخصية وطنية بارزة، جمعت بين الثقافة الرصينة والنضال الوطني المستميت ، يدل على ذلك، ما تركه هذا الرجل من كتابات هي عبارة عن مذكرات، يستشف منها أنه كان ملما بالثقافتين العربية والفرنسية ، وأنه كان على  مستوى عال من التحصيل العلمي والأدبي، لدرجة أن أحد قدماء التلاميذ بفاس وسمه ب : ” الأديب نابغة عصره ..” مما يدل على المكانة المرموقة التي كان يحظى بها الأستاذ صالح العبدي .. مما أتاح له البروز في نواح ادبية وثقافية شارك فيها مشاركة فعالة . للأسف لم يصلنا منها أي شيء عدا بعضا من مذكراته، على الرغم من تداول آثارها لدى البعض ممن كانوا يعرفون هذا الرجل رحمه الله. 
  
إن الحديث عن أمثال صالح العبدي، ليس بالأمر السهل، ذلك أن تاريخ مثل هؤلاء الرجال طويل وعميق .. وقد تكون احوالهم غير معروفة بصورة واضحة، أو غياب جزئيات هامة في حياتهم ومسيرتهم خاصة عدم وجود تراجم لهم تساعد عملية التعرف إليهم .. لأن أي اختصار واقتضاب يخص التعرف بهم، لا يساعد بتاتا على تكوين فكرة واضحة وشاملة، ولا يخدم هذا الجيل من المغاربة الذين ابلوا البلاء الحسن في خدمة البلاد والعباد.
  
إن الهدف من هذه التراجم لرجالات أسفي ، تكمن في حفظ حقوقهم الإنسانية والوطنية والعملية ، يضاف إلى ذلك، المجالات الثقافية والعلمية التي برزوا فيها، لآن ذلك عربون حقيقي يستدل به على أن اسفي كانت دوما مدينة الحضارة والثقافة والعلم، وليس كما يدعي البعض سامحهم الله. فهؤلاء الرجال عملوا أكثر من غيرهم ، وحققوا الكثير من أجلنا، وكرسوا جهودهم تحت شعار وطني كبير هو : ” المصلحة العامةوإلى ذلك يشير الأستاذ صالح العبدي بقوله : ” يجب علينا الإفصاح بالحقيقة، ولو أغضبت من أغضبت .. لأن مصالح الأمة توجب علينا أن نصدع بما يأمر به الضمير وتعرض عن الجاهلين، والله يكفينا شرهم واستهزاءهم .. ”
لقد انصرف هؤلاء الرجال إلى البحث والعكوف على العمل الجاد، في غير وجل ولا قلق، فتنافسوا منافسة الشرفاء، وتسابقوا إلى مضمار المجد، وإذا المجد يبحث عنهم في كل زاوية، وفي كل لحظة تمر من مراحل الزمان ، فكونوا نهضة علمية أدبية ثقافية صادقة.
ويعد الأستاذ صالح العبدي من هذه الطينة التي أنجبتها مدينة أسفي، مدينة التاريخ المجيد، والعطاء الفكري المتألق، والحضارة المستنيرة، جوهرة المحيط، او كما كان يحلو للعلامة ابن خلدون أن يطلق عليها : ” حاضرة المحيط “.
 
لقد كان صلح العبدي أنموذجا للخلق الجميل الفاضل، عفيف النفس واليد واللسان، لا يسيء لأحد، ولا يتعرض لصغير أو كبير .. شخصية نادرة، تترك في مجلسها انطباعات خالدة في الأخلاق الفاضلة.
بعد إتمامه للمراحل الدراسية الأولى، التحق بالمدرسة الثانوية الإسلامية بفاس، حيث أكمل بها تعليمه. تشرب حب الوطن منذ شبابه، فكان مهووسا بالدفاع عن مقومات ومقدسات هذا الوطن، فكان ممن ندروا انفسهم للدفاع عن لم الشتات الذي سخرت له فرنسا كل قواها للتفريق بين ابناء الشعب الواحد من خلال الظهير البربري. فتصدى لمقاومة هذا ) التي Le Le cri Marocain العبث من خلال كتاباته في جريدة ( صوت المغرب ـ التي كان يصدرها بعض الفرنسيين ممن كانوا يشكلون التيار اليساري المناوئ لسياسة بلدهم. وكانت مفتوحة لغير قليل من الوطنيين المغاربة لكتابة مقالاتهم من امثال، محمد اليزيدي وأحمد بلافريج ومسعود الشيكر، وكلهم كانوا يناهضون السياسة الاستعمارية التي نهجتها السلطات الفرنسية في المغرب إبان الحماية. هذا فضلا عن كتاباته في جريدة النجاح وغيرها من المنابر. وهذه الاستماتة في الدفاع عن الوطن ، أهلته ليكون موضع تقدير واحترام من كافة الوطنيين داخل أسفي وخارجه. لا ننسى كذلك أنه شارك في الحرب الريفية مما ألب عليه الأجهزة الاسخباراتية الفرنسية، فكان مراقبا أينما حل وارتحل، إلى أن تم القبض عليه، حيث نسبت إليه الكثير من التهم، أودع على إثرها السجن لمدة أربعة شهور. يقول صالح العبدي في هذا الصدد: ” أرسلت إلي المراقبة المدنية ، وألقت القبض علي رهن إشارة التحقيق ناسبين إلي عدة أمور منها، تهييج الأفكار وسوء الأدب في المكاتبة مع الحكومة حول الظهير البربري ، والإثارة إلى الاشخاص، وبعد أن دخلت السجن في يوم 16 يونيو، وجهتني المراقبة إلى سجن الرباط، حيث حكمت علي الجنايات بأربعة شهور سجنا، أمضيتها في سجن الرباط إلا الشهر الأخير أتراني فيه مرض، فنقلت إلى زناتة سيدي العربي بطلب مني .. ”
هذا هو ابن أسفي الأستاذ صالح العبدي، من أولئك الرجال الذين كتبت أسماؤهم ضمن الأسماء الباقية الخالدة، وإن كانوا قد آثروا الصمت على الهمس.
توفي رحمه الله سنة 19.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

ستة + 1 =

زر الذهاب إلى الأعلى
MCG24

مجانى
عرض