
صدى رجالات أسفي في التاريخ – الحلقة 60
إعداد: الدكتور منير البصكري الفيلالي / أسفي
بعد عودته إلى المغرب، عين السيد جمال الدين البوعمراني بمطار “أنفا” بمركز المراقبة المحلية، ثم ببرج المراقبة إلى المراقبة الجهوية .. لكن رؤساءه من الفرنسيين أبعدوه عن مقر المعلومات حتى لا يفشي أسرارهم وهو القريب جدا من جميع الزعماء الوطنيين آنذاك. ومع ذلك، تمت ترقيته ليصبح رئيس فرقة بمبلغ شهري يرتفع أربع مرات عن الأجر الذي تدفعه الحكومة المغربية. فكان عليه إمضاء عقد مع الدولة الفرنسية فرفض هذا العرض المغري واستجاب لنداء الوطن، وهو الوطني ابن الوطني، ممن كان لهم اهتمام كبير بالوطن، فناضلوا في سبيل تحرير هذا الوطن وتخليصه من ويلات الاستعمار. لهم في تاريخ الوطنية القدح المعلى، وفي سيرة الجهاد، القدم الراسخة، وفي تاريخ المغرب الأيادي البيضاء والمواقف الشجاعة التي سجلوها بكفاحهم ونضالهم على صفحات تاريخ وطننا العزيز.
إن هذا الجيل الأول للحركة الوطنية الذي عاهد الله على تحرير الوطن وكسر شوكة الطغيان الاستعماري، كان يناضل ويكافح في واجهات متعددة وأمام تحديات صعبة .. ومع ذلك، قرر هذا الجيل خوض المعارك بسلاح الإيمان والإرادة الصلبة، والثقة التي لا تنال منها الخطوب والأهوال .. فتحركوا ودبروا وفكروا ورسموا الخطط، وغالبوا التحديات، غايتهم التواصل مع المواطنين وتوعيتهم وزرع الثقة في نفوسهم وقتل شبح الخوف الذي كان يخيم عليهم، واستنهاض هممهم بغية الوقوف ضد المخططات الجهنمية التي كان يجابهها بهم المستعمر الفرنسي الغاشم.
فبعد رفضه لطلب السيد “موران” مدير الطيران وتقديم استقالته، اشتغل السيد جمال الدين البوعمراني مديرا لشركة توزيع الأفلام “سيام فيلم” لمدة سنتين، حيث ساهم بدور كبير في تنمية مدخولاتها المالية على الرغم من المضايقات التي كان يتعرض لها أحيانا من طرف أحد الشركاء. وفي الوقت نفسه ساهم مع والده وجماعة أخرى في إنجاز شركة مطاحن الدارالبيضاء، كما تم تكليفه سنة 1959بتسيير قاعة سينما السعادة بالحي المحمدي بالدارالبيضاء حتى آخر دجنبر 2010 حيث قرر التمتع بالتقاعد . قبل ذلك، لا بد أن نشير إلى مرحلة أخرى من مساره المهني والتي عرفت غير قليل من التحديات، لكن الرجل وقياسا مع التجربة التي راكمها في المجال التجاري، سيقوم سنة 1960 بتسيير مطحنة بمدينة وجدة، أطلق عليها اسم “مطاحن الريف” سيحصل من خلالها على أرباح ونتائج ممتازة. وفي سنة 1961، اقترح عليه تسيير مطحنة “الليتورال” بالرباط نظرا لتجربته الناجحة بوجدة، لكنه اشترط أن تخصص له نسبة عشرة في المائة من رأس المال يدفع ثمنها من واجبه في الأرباح . فقوبل طلبه بالرفض .. وحينها عاد إلى شركة “سيام فيلم” على أساس أن يكون شريكا لوالده فيها إلى جانب شريك آخر وهو السيد الحاج أحمد بنزاكو، وأن يتخلى كل واحد منهما بعشرة في المائة من رأس مال الشركة لصالحه.
ونظرا لتجربته في الميدان، استطاعت هذه الشركة أن تحقق أرباحا باهرة. وفي الوقت ذاته، كلفه والده بمراقبة تسيير معمل التصبير الذي كان يملكه بأسفي تحت اسم:
“سوماكوس”. وفي سنة 1962، انتخل السيد جمال الدين البوعمراني رئيسا لغرفة موزعي الأفلام، وأعيد انتخابه مرات عديدة حتى عام 1978.
وفي سنة 1966، تمكن السي البوعمراني من شراء الأصل التجاري لسينما :
“ليبيرتي” وسينما “لوتيسيا” بالدارالبيضاء، حيث قام بتسييرهما حتى عام 2000 إثر تقديم استقالته من هذه المهمة.
يتبع ….