ثقافة

صدى رجالات أسفي في التاريخ – الحلقة 74 و75

إعداد: الدكتور منير البصكري الفيلالي / أسفي

الأستاذ محمد فرحات
في هذه الحلقة ، سنتحدث عن الأخ الأكبر للأستاذ عبد الله فرحات الصحفي الأديب الشغوف بالثقافة والإبداع ، قيدوم الصحافيين المغاربة وأحد الوجوه البارزة في النضال الوطني ، بما كانت له  من تضحيات نبيلة ، حيث نذر حياته للدفاع عن الوطن على مدى سنوات عمره من خلال ما كان للرجل من مبادئ ، إذ قلما نجد له مثيلا في هذا الزمن . فكان بذلك مثالا صادقا للتفاني والإخلاص للقيم الإنسانية النبيلة ومبادئ التسامح وخصال الدفاع المستميت عن الأفكار والقناعات الراسخة ، دفاعا عن قضايا الوطن ومصالح الشعب وكذا عن وحدة البلاد الترابية وسيادتها الوطنية . يتعلق الأمر بالسي محمد فرحات الذي عاش أحداث القرن العشرين وساهم في صنع بعضها بعيدا عن أضواء الشهرة وفي تواضع قل مثيله .
ولد السي محمد بن سليمان بن أحمد فرحات يوم 21 يوليوز 1921 في عائلة تنحدر من الصحراء ( الشرفاء السباعيين ) بالساقية الحمراء .
كانت دراسته الأولى بالكتاب المعروف بتقاليده القديمة والمتوارثة لدى المغاربة في ذلك الزمن الجميل وهو ابن الرابعة من عمره . فقد كان والده مصرا على أن يجمع ابنه محمد بين الذهاب إلى الكتاب والمدرسة الفرنسية في الوقت نفسه وذلك حتى يتمكن من تكوين ديني أصيل إلى جانب تعليم عصري باللغة الفرنسية . وفعلا ، ختم  السي محمد فرحات حفظ القرآن الكريم وهو في عامه الثاني عشر قبل حصوله على الشهادة الابتدائية من المدرسة الفرنسية والتي سيحصل عليها سنة 1934 ، وهي السنة التي ترشح فيها مع خمسة تلاميذ آخرين لاجتياز امتحان الشهادة الابتدائية . وقد اجتاز المباراة بنجاح مع تلميذين اثنين من بين الذين تقدموا للحصول على هذه الشهادة التي كانت تعني الكثير في تلك المرحلة من تاريخ المغرب . بعد ذلك ، سيتابع دراسته الثانوية بمؤسسة مولاي يوسف بالرباط . وبعد استكمال هذه المرحلة من التعليم الثانوي ، سيتم تعيينه مدرسا لمدة سنة واحدة بثانوية مولاي يوسف ، وبعدها انتقل إلى التدريس بتمانارت ، ثم بأسفي . وفي هذه المدينة سينخرط في العمل النقابي في إطار نقابة المعلمين  وكانت من أنشط النقابات في ذلك العهد . وكان محمد فرحات يقوم بدور المناضل القاعدي حيث كان كاتبا للاتحاد الجهوي لنقابة المعلمين بأسفي . وربما شكل ذلك خطرا على سلطات الحماية ، فبادرت إلى اعتقاله وطرده من المغرب ، لكن السي محمد فرحات لم يستسلم لقرار طرده وعاد سرا إلى وطنه ( المغرب ) . ثم ما لبثت الحماية الفرنسية إلى اعتقاله مرة أخرى وتطرده خارج المغرب ، حيث اختطفه البوليس الفرنسي من أحد شوارع مدينة أسفي . وفي هذا الإطار ، زار عدة بلدان ، بحيث سنجده في الجزائر الفرنسية التي اشتغل فيها صحافيا بجريدة ( ألجي غيبوبليكان ) .
وقد شكلت سنوات 1941 ـ 1942 ـ 1943 مرحلة مثيرة مقارنة بغيرها من المراحل ، عاصر فيها محمد فرحات أحداثا كبيرة كالمقاومة الفرنسية للاحتلال النازي وظهور جون بول سارتر ومالرو وفديريكو كارسيا لوركا و بابلو نيرودا و ايمي سيزار و أراكون وانشطاين ..
وارتباطا بهذه الأجواء ، أسس المحامي روني ليون سلطان يوم 14 نونبر 1943 الحزب الشيوعي المغربي .. وقد التحق السي محمد بصفوفه منذ البداية مع الأستاذين علي يعتة  وعبد السلام بورقية ، كان ذلك في السنوات الأولى من أربعينيات القرن الماضي . وقد كلفه هذا الحزب ـ بما أنه يقيم خارج المغرب ـ بأن يقوم بمهمة النضال من أجل قضية تحرير المغرب والحصول على استقلاله. وهكذا ، ذهب السي محمد فرحات في السنوات الأولى من الخمسينيات إلى بلدان أوربا الشرقية للبرهنة على أن بلدان المغرب والجزائر وتونس يجب أن تحصل على استقلالها . فقد اشتغل كصحفي في هنغاريا وألبانيا وتشيكوسلوفاكيا في محطات إذاعية ترسل برامجها باللغة العربية في اتجاه العالم العربي .. وهي برامج كانت تفضح الاستعمار الفرنسي وتندد به وبالتالي تطالب باستقلال البلدان المستعمرة . وبعد مرحلة النفي وعودته مرة أخرى إلى المغرب ،سيلتحق محمد فرحات بمهنة الأولى (التعليم ) وسيستمر في القيام بمهامه إن على مستوى التدريس أو على مستوى التدبير الإداري إلى حين حصوله على التقاعد عام 1978 .
لكنه لم يقف مكثوف الأيدي ، بل دفعته عزيمته ونشاطه إلى ممارسة النضال الصحفي التطوعي في جريدة البيان .. فقد وضع أول صفحة تعنى بالإبداع الأمازيغي ، فتمكن عبرها من اكتشاف عشرات المبدعين والباحثين وتوسيع رقعة وامتداد الانشغال بالثقافة الأمازيغية برصانة وجدية . وهو إنجاز مهم ومثال رائع يتمثل في خوض معركة الانتصار للثقافة الشعبية في المغرب .
يشار إلى أن السي محمد فرحات قد تعرف إلى كبار الشخصيات العالمية ك : هوشي منه وغيره من الكبار والرواد . كما التقى اسماء كبيرة مثل : ألبير كامو ، هنري أليغ ..
نذكر كذلك مرافقته الوزير الأول السيد محمد عصمان إلى الخرطوم لحضور مؤتمر منظمة الوحدة الإفريقية كما رافقه أيضا إلى الكابون ، كل ذلك في إطار العمل الإعلامي .
للتذكير ، فقد أنعم عليه جلالة المغفور له الملك الحسن الثاني بوسام الرضى من الدرجة الأولى . وذلك تقديرا لحياة عاشها السي محمد فرحات مليئة بالنضال من أجل استقلال المغرب . وقد توفي السي محمد يوم 11 نونبر 2011 ودفن بمقبرة الشهداء في الرباط ثأمضى سنتين من الاعتقال خلال الفترة الاستعمارية نتيجة تضحيات نبيلة لصالح وطنه ومناهضة كل أنواع لحيف والظلم والعنصرية التي كان يمارسها الاحتلال الفرنسي .

 لا بد في هذه الحلقة أن نضيف اسما آخر من عائلة فرحات ، لمع كإطار تربوي له مكانته ووزنه في مجال التربية والتعليم بأسفي . يتعلق الأمر بالسي عبد الرحمان فرحات أول مدير لثانوية الحسن الثاني باسفي ( ليسي البورد سابقا ) في بداية سبعينيات القرن الماضي . مرب ورجل تعليم ناجح . عرفناه ونحن تلاميذ بالثانوية المذكورة ن يتمتع بثقافة رصينة طبعت فكره وسلوكه بسمات متميزة .. إنسان له إحساس مرهف ، وجانب لين وخلق وديع  .. كل ذلك كساه وقارا وسكينة ، لا يتكلم إلا ما فيه النفع والمصلحة . أدى واجبه في مجال التربية والتعليم على أحسن وجه . فقد كان لا يتوانى في تتبع ومواكبة تلاميذ الثانوية خلال كل الحصص التدريسية وهو يمر على الأقسام منصتا ومستمعا للأجواء التي كانت تمر فيها الدروس . ومن ثمة ، كنا ندرك مكانة الرجل وكفايته التربوية والإدارية .. حيث تناقلت السن التلاميذ كفايته فيما أسند غليه من العمل الإداري ، فكان حسن التدبير ، بعيد النظر ، فأكبره الأساتذة والتلاميذ وأحبوه وسجلوا له إخلاصه ونزاهته
لم يكن ذلك غريبا ، فقد تلقى وإخوته تربية سليمة ، إذ كان للبيت الذي جمعه وإخوته تأثير على مسار حياتهم ، فعمت أجواء تربية ذلك البيت ، التزام أبنائه بالعلم والمعرفة وحسن الخلق .. وغالبا ما نجد العوامل الداخلية في الإنسان أو التفاعلات المحيطة به تؤثر عليه وتظهر على سلوكياته وتربيته ، وهنا يظهر تأثير البيئة الاجتماعية والثقافية . ولم تكن هذه البيئة إلا حاضرة المحيط أسفي التي نجحت في إنجاب رجالات بصموا على حياة مليئة بالعطاء والإبداع ، إذ كان للبيئة التي نشأوا فيها أثر على مكوناتهم الفكرية والأخلاقية والسلوكية .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

2 × 3 =

زر الذهاب إلى الأعلى
MCG24

مجانى
عرض